صعدة اليمنية.. وكر "رأس الأفعى" وكرسي "تصدير الموت"
لسنوات طوال، ظلت محافظة صعدة اليمنية تعرف بـ"السلة الخضراء" للبلاد، إثر أرضها الخصبة حتى غدت مؤخرا وكرا لرأس الأفعى الحوثي، ومعقلا ضخما لتصدير إرهابه.
وتكتسب صعدة أهمية جيوسياسية كبيرة، لوقوعها في الجزء الشمالي للبلاد على الحدود السعودية بموقع استراتيجي تصل مساحته إلى 11375 كليومترا مربعا.
وتضم صعدة التي تعرف أيضا بـ"كرسي الزيدية الأول" نحو 50 معلما أثريا وتاريخيا من مساجد وقلاع وحصون أثرية منها قلاع السنارة وشداء وحرم وشذابة، في حين تتألف من 15 مديرية منها 12 تستوطنها "قبائل خولان بن عامر"، فيما تستوطن "قبائل همدان بن زيد"، 3 مديريات.
يتفرع من بطون القبيلتين الكبريين هذه العديد من القبائل، فمن قبيلة همدان بن زيد تتفرع قبائل "وائلة" و"آل سالم" و"المقاش" و"الحشوة" و"الصفراء" وتستوطن الأودية الشرقية من صعدة وهي قبائل زراعية تتسم بالقوة والبأس.
أما قبيلة خولان بن عامر فيتفرع منها 30 بطنا قبليا أهمها "سحار"، ومنها ينحدر نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عبده مجلي، إلى جانب قبائل "آل مناع" و"جماعة" و"خولان" و"رازح" وقبائل "غمر" و"شداء" و"الظاهر" و"بني منبه".
وتسكن قبائل خولان بن عامر ما يُعرف بـ"بقاع صعدة" ويرتفع عن سطح البحر بحوالي 1800 متر والآخر، إقليم المرتفعات الشمالية الغربية، وهي قبائل ذات كرم وجود كبيرين وذات نخوة وشجاعة ودفعت أكبر ثمن في مواجهة مليشيات الحوثي الإرهابية.
الحوثي وصعدة.. دفتر الاغتيالات
خلافا عن بقية المحافظات اليمنية، فالصراع بين مليشيات الحوثي وقبائل صعدة يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما زرعت إيران نبتتها الخبيثة في مديرية حيدان، وحاولت اختراق القبائل، فيما لجأت لاغتيال الشيوخ الذين عجزت عن إخضاعهم بالترهيب والترغيب وهم بالعشرات.
ففي معقلها الأم (حيدان) عمدت لتصفية الشيوخ بشكل مباشر بمن فيهم زعماء القبائل "حسن عيظة مطري" و"علي مزراق الطلاني" و"أحمد عبدالله فاضل"، فيما تم اغتيال الشيخ "طه عبدالله الصعدي" أحد شيوخ "ضحيان".
ومن حيدان وضحيان خطط الحوثيون لاغتيال الشيوخ في مختلف مديريات صعدة، منهم "الشيخ أحمد دهباش" شيخ مشايخ منبه 2007، و"الشيخ سالم درهم الحذيفي" في مديرية مجز، و"الشيخ محمد فرحان خطاب"، كما صفّت "الشيخ ضيف الله جارالله" شيخ آل يوسف بني بحر.
وتعرض شيوخ صعدة خلال الحروب الست (2004-2009) لأوسع عمليات اغتيال منهجية، إذ طالت "الشيخ مسفر حسن أبوشتاء" و"الشيخ عبدالله عبدالله شميلة"، و"الشيخ حمدان دغثم فوط"، و"الشيخ شايع بختان"، و"الشيخ معين عبدالله حامس العوجري"، و"الشيخ صدام حسين جارالله"، و"الشيخ صالح بن صالح هندي دغسان".
وكان آخر عمليات اغتيال منهجية لشيوخ صعدة هي تلك التي وقعت في 2022، حيث اغتال الحوثيون "الشيخ عبدالرحمن مرداس"، فيما مارست بحق "الشيخ عبدربه داجي"، تعذيبا وحشيا حتى لفظ أنفاسه، وهو أحد شيوخ آل سالم في صعدة وقتل في أحد السجون السرية في صنعاء.
وبعيدا عن الاغتيالات المنهجية، استخدمت مليشيات الحوثي تكتيك إخضاع القبائل عبر إشغالها بشكل دائم في الحرب واستنزافها في الجبهات وفي الحرب البينية، كان آخرها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما أشعلت حربا مستعرة بين قبيلتي "وائلة" الكبيرة و"بني حذيفة"، وتكبد الطرفان قتلى وجرحى.
ومطلع الشهر الجاري، سيّر الحوثيون حملة وحشية لقمع أهالي بلدة "بركان" في مديرية رازح بمحافظة صعدة، استمرارا للاستهداف الممنهج ضد قبائل المحافظة ورجالها.
كما حاول الحوثيون استخدام القضاء في ترويع القبائل من خلال إصدار أحكام جائرة لمحاكمة أبناء قبائل صعدة، ولعل أحدث حكم الإعدام الجماعي الذي طال 16 شخصا بينهم 7 معتقلين تعزيرا ورميا بالرصاص حتى الموت بزعم "التخابر" والأضرار بمركز الحوثيين الحربي والسياسي والاقتصادي.
وبسبب تلك الحرب المنهجية والشعواء تحولت صعدة إلى أكبر وكر للمخدرات والأسلحة والأدوية المهربة، بل إن أكبر عتاولة التهريب والإجرام بات ينحدر منها، أشهرهم "فارس مناع" وهو مهرب عابر للحدود ومصنف على لائحة الإرهاب لمجلس الأمن إلى جانب عشرات القادة الحوثيين المعاقبين.
وقالت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، إن مليشيات الحوثي نقلت مؤخرا عشرات الورش الخاصة بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار من صنعاء إلى صعدة، معقلها الأم الذي تحول إلى بيئة مغلقة لخبراء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني الإرهابي.
صعدة لن تهدأ
تشعر مليشيات الحوثي بعدم رضا من جانب القبائل تجاه مشروع الحوثي فكرا ومنهجا وسياسة، وهذا يبعث مخاوف كثيرة منذ الحرب الأولى في يونيو/حزيران 2004 حتى اليوم.
وطبقا للشيخ فهد الشرفي، وهو أحد أصوات صعدة الذين واجهوا باكرا مليشيات الحوثي، فإن المليشيات تحمل كل مشاعر الكراهية والحقد على القبيلة اليمنية، وفي مطلعها قبائل صعدة التي منعت توغل المشروع الإيراني وواجهته وقاتلته منذ الثمانينيات في صعدة.
ويرى الشرفي أن القبيلة في صعدة واليمن عامة هي ركن من أركان الدولة اليمنية إلى جانب الجيش والأحزاب، لذا كانت وما زالت هدفا لأعمال المليشيات الانتقامية وفق مخطط جهنمي متعدد الأوجه.
وقال -في تصريح لـ"العين الإخبارية"- إن "صعدة وقبائلها كانت وما زالت ضد توسع وتوغل وتوطن المشروع الحوثي الإيراني الإرهابي في هذه المحافظة الحدودية التي تربطها ببقية قبائل اليمن وبالأشقاء في المملكة العربية السعودية التي تربطنا حدود طويلة معهم".
وأضاف: "نظرا للأهمية الجيوسياسية لصعدة فقد كانت هدفا للمشروع الإمامي منذ قرون ومنذ السبعينيات استهدفت صعدة من كل القوى التي تريد استخدام هذه المنطقة وأهلها كمجال عدواني ضد السعودية والإمارات ودول الخليج والعرب عموما".
ودعا الشرفي إلى إسناد أبناء صعدة لمواجهة الشر الحوثي العابر للحدود وأهمية تبني مشروع عربي في صعدة، مؤكدا أن قيادات صعدة وكثيرا من مفكريها ومثقفيها وشيوخها في الداخل والخارج ما زالوا ينتظرون اللحظة الحاسمة لمواجهة المشروع الدخيل على بلادنا وأمتنا، وذلك إلى جانب إخوانهم اليمنيين وأشقائهم في التحالف العربي.