ذكريات الثورة السودانية بلسان صاحب الصورة الأبرز
الشاب السوداني الذي يحتل صدارة صورة فازت بجائزة "وورلد برس فوتو" العالمية لعام 2020 يستعيد ذكرياته مع الثورة التي أطاحت بالبشير
يستعيد محمد يوسف، الشاب السوداني الذي يحتل صدارة صورة لوكالة فرانس برس فازت بجائزة "وورلد برس فوتو" العالمية لعام 2020، بتأثر تلك اللحظات من "الثورة" التي نجحت في إسقاط الرئيس عمر البشير، عندما أنشد قصيدة اختصرت أحلامه وأحلام المتظاهرين من حوله.
وتظهر الصورة التي التقطها مصور فرانس برس ياسويوشي تشيبا في يونيو/حزيران 2019 محمد يوسف الذي كان في الخامسة عشرة آنذاك، وهو يقف بين مجموعة من المحتجين في أحد أحياء الخرطوم، واضعا يده على صدره ومنشدا قصيدة.
كان ذلك بعد وقت قصير من عملية فض الاعتصام الشعبي أمام مقر قيادة الجيش السودانية في الخرطوم التي قتل فيها 128 شخصا، بحسب مصادر قريبة من المعتصمين و87 شخصا، بحسب مصادر رسمية.
بعد نحو السنة، ومن منزله في الخرطوم، يروي يوسف لفرانس برس "كنت منتشيا بالهتاف من حولي، ولكنني كنت أشعر بالحزن بسبب الشهداء الذين فُقدوا في ساحة فض الاعتصام والمفقودين الذين لا نعرف عنهم شيئا".
ويضيف "بعد تلاوة القصيدة، انتحيت جانبا وبكيت".
كان يوسف يرتدي في ذلك المساء قميصا أزرق، فيما أضاء المتظاهرون أنوار هواتفهم المحمولة التي شكلت هالة من حوله، وكان يلقي الشعر بالموضوع باللهجة السودانية، بشغف وحماس، "دقّوا النحاس من ضيّ.. صوت الشوارع حي.. مفيش تخاذل تب.. ما فينا زول ئي" (اقرعوا الطبول مع أول ضوء للصباح.. الصوت القادم من الشارع حي.. ليس هناك تخاذل نهائيا.. وليس بيننا ضعيف أو جبان".
وكان المحتجون يصيحون وراء كل بيت "ثورة".
ويتابع الفتى "الناس الصابرة سنين والجمرة في إيدها، باكر النضال يثمر راويه دم الشهدا" (الذين صبروا لسنوات والجمر بأيديهم، غدا يثمر نضالنا الذي ارتوى بدماء الشهداء).
وكانت هذه القصيدة رائجة خلال الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في ديسمبر/كانون الأول 2018 في السودان ضد الرئيس المعزول عمر البشير، ونجحت في إسقاطه في أبريل/نيسان 2019. لكن الاحتجاجات تواصلت للمطالبة بتسليم الحكم للمدنيين.
في الثالث من يونيو/حزيران، أقدم مسلحون بملابس عسكرية على تفريق المعتصمين بالقوة. ومنذ أغسطس/آب الماضي، يتولى مجلس سيادي انتقالي يضم عسكريين ومدنيين مقاليد الحكم في البلاد.
ذكريات مع الثورة
ويسترجع يوسف ذكريات مساء 19 يونيو/حزيران 2019، يوم تمّ التقاط الصورة، ويروي أنه تمّ قطع التيار الكهربائي في المنطقة تلك الليلة، بينما كان الجميع ينتظر كلمة لقيادات تحالف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات، كما حجبت خدمة الإنترنت عن العاصمة السودانية.
وبدأ المحتجون بالبحث عن مولد كهربائي ووضعوا حواجز على الطرق المحيطة بهم لتأمين منطقة التجمع.
ويقول يوسف: "الجميع كان متوترا أو يخشى من أن تهاجم القوات الأمنية المنطقة".
وشارك يوسف وأفراد أسرته في الاعتصام والاحتجاجات ضد البشير التي بدأت بسبب زيادة أسعار الخبز، منذ انطلاقها.
ويقول إن السبب الرئيسي لمشاركته في الثورة هو "وقف سفك الدماء في دارفور".
واندلع القتال في إقليم دارفور في غرب السودان في 2003، عندما حملت مجموعة من أقليات أفريقية السلاح ضد حكومة البشير، رافضة تهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا.
وبحسب الأمم المتحدة، قُتل 300 ألف شخص جراء النزاع، وشُرِّد 2,5 مليون من منازلهم. وتفاوض الحكومة السودانية الحالية لإنهاء هذا النزاع.
تحية للثورة
ويشير يوسف إلى أنه من المهم منح الحكومة السودانية الجديدة فرصة لتحقيق مطالب الثورة التي يبرزها الشاب السوداني في محاسبة المسؤولين عن فض الاعتصام وانتهاكات دارفور.
ووافقت الحكومة في فبراير/شباط الماضي على مثول البشير المعتقل حاليا في سجن بالخرطوم، أمام المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بمذكرة توقيف دولية بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في دارفور.
ويدرس يوسف في مدرسة خاصة، إلا أنه منذ مارس/آذار الماضي لا يغادر منزله مع والديه وأربعة أشقاء وشقيقات، بسبب تدابير الإغلاق الحكومية المتخذة للوقاية من فيروس كورونا المستجد. وبلغ عدد الإصابات في السودان حتى اليوم 162 بينها 13 وفاة.
وهو يحلم بأن يصبح مهندسا، ويقول إنه يستغل الوقت اليوم للمطالعة حول تاريخ السودان.
وتقول أسرته إنه بعد انتشار صورته، صار أساتذته ورفاقه في المدرسة يلقبونه بـ"المناضل يوسف".
ويقول والده يوسف عثمان، طبيب الأسنان والأستاذ الجامعي، "الصورة تحية للثورة السودانية".
aXA6IDMuMTM3LjE2Mi4yMSA= جزيرة ام اند امز