مبادرة شبابية لتخفيف أزمة المواصلات بالسودان
الخرطوم تعيش أزمة مواصلات خانقة هذه الأيام بسبب رداءة الطرق وضيقها مقابل ارتفاع الكثافة السكانية.
بعد الساعة الـ4 من ظهر كل يوم يختار الشاب "إسماعيل التوم" موقعه المعتاد جوار موقف الاستاد للمواصلات العامة بالسوق العربي بوسط العاصمة السودانية الخرطوم، ويفعل ما وسعه لنقل المواطنين المتكدسين في انتظار المواصلات إلى منازلهم عبر السيارات الملاكي.
ويتوسط إسماعيل السيارات الداخلة والخارجة ويصيح في أصحابها بنداءات تحضهم على إعمال ثقافة "فضل الظهر" وحمل ما في وسعهم من المواطنين الذاهبين معهم في وجهتهم.
يضع كفيه على فمه ويصيح "يا ماشي لبيتك، وصل معاك غيرك، وصل معاك أمك، وصل معاك أختك".. وسرعان ما يبادله صاحب سيارة قائلاً إنه في طريقه إلى منطقة "الكلاكلة" جنوب الخرطوم ولديه مقعدان في سيارته.
حينها يقوم إسماعيل سريعاً بالمناداة على المواطنين المصطفين لإخبارهم بالأمر فيأتي شخصان ليذهبا مع صاحب السيارة.
وهكذا عندما تحين الساعة الـ8 مساءاً يكون تكدس المواطنين على جنبات الطريق قد اختفى عن الأنظار بفضل جهود إسماعيل وتجاوب أصحاب السيارات مع نداءاته.
و"إسماعيل التوم" هذا نموذج لعشرات الشباب أمثاله يقومون بذات الفعل في مواقف المواصلات والمحطات المختلفة بالخرطوم لأجل مساعدة المواطنين في العودة إلى منازلهم.
يقول إسماعيل لـ"العين الإخبارية" إنه وآخرون من نظرائه استلهموا الفكرة من روح الثورة السودانية التي اتسمت بالتكافل والعمل الجماعي وأطلقوا مبادرة لمساعدة المواطنين في الوصول إلى مواقعهم.
وتقوم المبادرة التي يطلقون عليها اسم "وصل معاك غيرك" على حث أصحاب السيارات الملاكي على أخذ الراجلين في طريقهم، مشيراً إلى أن الهتافات التي يطلقها قريبة من تلك التي كانوا يرددونها خلال الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش.
وأوضح أن أصحاب السيارات الخاصة كثيراً ما يتجاوبون معهم حينما يتوقفون على إثر النداءات لأخذ من يريد الذهاب معهم إلى وجهتم.
وتعيش العاصمة السودانية الخرطوم أزمة مواصلات خانقة هذه الأيام بسبب رداءة الطرق وضيقها مقابل ارتفاع الكثافة السكانية الأمر الذي أنتج ازدحاما مروريا غير مسبوق.
وتسعى الحكومة الانتقالية إلى معالجة ما ورثته من ترد مريع في الخدمات عموماً والطرقات خصوصاً بسبب سياسات النظام السابق، من خلال تبني عدة مشروعات بينها استغلال شبكة السكة الحديد الداخلية في نقل المواطنين عبر قطارات محلية.
وأعلن والي الخرطوم، الفريق أحمد عابدون، هذا الأسبوع عن وصول 390 حافلة للنقل، بجانب تشغيل القطارات اعتباراً من نوفمبر/تشرين الأول لحل أزمة المواصلات التي تعيشها العاصمة الخرطوم.
كما عقد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك اجتماعا، الإثنين، باللجنة الوزارية لدراسة موقف المواصلات العامة، بمشاركة وزير الداخلية الطريفي إدريس ووزير الإعلام فيصل محمد صالح، ووالي الخرطوم.
وقالت عايدة سليمان، التي تعمل في إحدى المؤسسات الخاصة بالخرطوم، لـ"العين الإخبارية"، إنها تعاني عند العودة إلى المنزل بسبب أزمة المواصلات وانعدامها لكن كثيراً ما ساعدها الشباب أصحاب مبادرة "وصل معاك غيرك" في الحصول على مقعد في إحدى السيارات الخاصة التي يوقفونها.
وأشارت إلى أن النداءات التي يطلقها هؤلاء الشباب تجعل أصحاب السيارات يستجيبون سريعاً لهذا الأمر الذي ساعدها شخصياً في العودة للمنزل أكثر من مرة.
وأوضحت أن بعض أصحاب السيارات يخبرون الشباب بأنهم يعطون الأولوية للنساء والفتيات، وهو ما يجعل حظوظهن في الفوز بمقعد بسيارات الملاكي أكثر من الشباب.
أما عاصم عبدالله الفكي، أحد أصحاب السيارات الملاكي، فقال لـ"العين الإخبارية" إنه ظل يتجاوب باستمرار مع نداءات الشباب التي تحثه على أخذ المواطنين معه في طريقه.
وأضاف: "قبل أن أجد هؤلاء الشباب كنت معتادا على توصيل من أجدهم في طريقي إن كنت قادماً من المنزل أو عائداً إليه، ابتغاء للأجر وحل مشاكل الآخرين مع المواصلات".
وأشار إلى أنه يركز على الشرائح الضعيفة من النساء وكبار السن لأن فرص حصولهم على مقعد بالمواصلات العامة في ظل هذه الأزمة يكون ضعيفاً.
ودعا الفكي الآخرين من أصحاب السيارات الخاصة إلى عدم التردد في أخذ من يجدونهم في طريقهم لأن الأمر فوق أنه عادة مجتمعية حميدة فهو من صميم الدين الذي يحض على التكافل والتراحم.
وتابع: "لذلك أنصح كل أصحاب المركبات أن يساهموا في مساعدة الناس خلال معاناتهم مع أزمة المواصلات إلى حين ما تتمكن الدولة من معالجتها، خاصة أن من بين المنتظرين في مواقف المواصلات فتيات ومرضى وعجزة".