سياسة
انتحر أم نحر.. كيف فقد الفلسطيني زكي حسن حياته في سجون أردوغان؟
شقيق القتيل الفلسطيني في سجون أردوغان أطلق، في وقت سابق، تحذيرات من قتله لغلق ملف القضية الملفقة.
في ظروف غامضة أعلنت السلطات التركية، الأحد، "وفاة" الفلسطيني زكي مبارك حسن المحتجز في سجونها بتهمة التجسس. وبين الرواية الرسمية التي تزعم "انتحاره"، ورواية أسرته التي تؤكد مقتله، مساحة رمادية وتاريخ حافل بوقائع قتل وتلفيق اتهامات باطلة لمعارضي أنقرة.
- مقتل فلسطيني بسجون تركيا.. وعائلته تتهم نظام أردوغان بتصفيته
- عائلة الفلسطيني قتيل سجون تركيا لـ"العين الإخبارية": نطالب بتحقيق دولي
حقائق عن المأساة
وكانت السلطات التركية قد اعتقلت الفلسطينيين زكي حسن (55 عاما) وسامر سميح شعبان (40 عاما)، في 22 أبريل/نيسان الجاري، في تركيا.
ويحمل مبارك شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وقد أقام في رام الله، قبل أن يتقاعد، ويغادر إلى بلغاريا للإقامة فيها ووصل إلى تركيا قبل أشهر عدة لتأسيس شركة، وفق شقيقه.
وقبل أيام من حادثة وفاته الغامضة بث شقيق الفلسطيني "القتيل"، فيديو على صفحته بموقع "فيسبوك"، أكد خلاله أنه يمتلك وثائق تثبت براءة شقيقه، لافتا إلى امتلاكه تسجيلا لمكالمة تقطع بأن التهم الموجهة إليه ملفقة.
وفيما يتعلق بالتلفيق، يرى معارضو رجب طيب أردوغان وطيف واسع من المراقبين وحتى حكومات غربية أن نظام أنقرة يملك سجلا حافلا على هذا الصعيد.
مشروع بناء الثقب الأسود
سعى نظام أردوغان، بحسب معارضين ومراقبين غربيين، إلى تجنب صداع تلفيق اتهامات لخصومه بـ"بالتجزئة" فغامر بصناعة مشهد يوفر له إمكانية تلفيق الاتهامات بالجملة لكل مَن يحاول عرقلة مشروع بناء دولة شمولية هجين للحكم باسم الحق الإلهي والتجارة باسم الدين.
وكانت مشاهد الانقلاب المزعوم في تركيا وما تلاه من حملة قمع غير مسبوقة دليلا على صناعة نظام أردوغان "ثقبا أسود" يبتلع في ظلمته أي محاولة للاحتجاج أو الرفض أو الاختلاف عبر شيفرة غولن.
وعبدالله غولن رجل دين تركي كان حليفا لأردوغان قبل أن ينقلب عليه الأخير، ويؤسس من خلاله حله السحري لتعبيد الطريق لـ"جمهورية موز" في أوروبا، إذ تتهم أنقرة بالمسؤولية عن تدبير "انقلاب مسرحي".
"شيفرة غولن"
ومنذ محاولة الانقلاب المزعوم، سجنت السلطات التركية أكثر من 77000 شخص في انتظار المحاكمة، ولا تزال الاعتقالات واسعة النطاق تجري بصورة منتظمة كما فصلت وأوقفت عن العمل نحو 15 ألفا من موظفي الحكومة ورجال الجيش.
الممارسات التركية القمعية أثارت حفيظة حلفاء أنقرة من الدول الغربية الذين انتقدوا حملة الاعتقالات وسط اتهامات باستخدام محاولة الانقلاب ذريعة لسحق المعارضين.
مد الخطوط على استقامتها
بمد الخطوط على استقامتها، يبدو التاريخ القمعي للرئيس التركي "المصاب برهاب فقدان السلطة"، مبررا لإعادة النظر في رواية أسرة القتيل الفلسطيني، خاصة أنها جاءت مسبوقة بتحذيرات أطلقها شقيقه بشأن إمكانية قتله في السجون.
وقال زكريا مبارك، شقيق الفلسطيني المغدور، في تصريحات صحفية، إن شقيقه قُتل في السجون التركية على أيدي نظام أنقرة حتى لا تظهر براءته، نافياً في الوقت ذاته أن يكون قد انتحر، وفق ما زعمت السلطات.
فرق الموت
حتى عام 2010 كانت اتهامات بتشكيل فرق اغتيالات تلاحق نظام الرئيس التركي، ومن دون دليل قاطع ظلت تلك الاتهامات جزءا من السجال السياسي في أنقرة.
لكن وقائع محاكمة ضابطين تركيين في عام 2010 قدمت الدليل القاطع على وجود فرق الموت تحت إمرة رئيس الوزراء حينها رجب طيب أردوغان.
وفي وقت لاحق، قضت محكمة تركية بالسجن لمدة 10 سنوات على قاضٍ بتهمة "التخطيط للإطاحة بالحكومة"، و"الانتماء لمنظمة إرهابية مسلحة"، في إشارة إلى حركة غولن، وكان ذلك القاضي بالذات هو صاحب الدور الأكبر في الكشف عن فرق الموت تلك.
وفي أواخر مارس الماضي وبحسب ما ذكرته وسائل إعلام تركية، أدانت محكمة العقوبات المشددة الـ16 في العاصمة أنقرة، المدعي العام السابق فرحات صاري قايا، الذي أصبح مغضوبا عليه من نظام أردوغان، لدوره في قضية الحكم على ضابطين بالجيش، بتهمة تشكيل فرق للاغتيال والقتل العمد بحق الأكراد، في عام 2010، وبعدها طالبت الحكومة بإقالته.
سوابق أردوغان
وقبيل مقتل الفلسطيني زكي مبارك الذي اتهمته أنقرة بالتجسس رغم نفي عائلته وتأكيدها أنها تمتلك وثائق تثبت براءته وأن التهم الموجهة إليه مفبركة برزت حالات قتل مشابهة داخل السجون التركية عدتها أيضا السلطات التركية انتحارا.
ونهاية الشهر الماضي، قتلت الناشطة الكردية ميديا تشينار، داخل أحد السجون التركية وقبلها بأيام كانت المعتقلة زهراء صاغلام.
ومطلع الشهر ذاته، قتلت أيضا المعتقلة آيتين باتشَت (28 عاما) بولاية كوجالي (شمال) بعد أكثر من 6 سنوات سجنا.
ومنتصف مارس/آذار الماضي، انتحر المعتقل الكردي زولقوف جزان داخل سجنه بولاية تكيرداغ (شمال غرب)؛ رفضا لقمع السلطات التركية، حيث كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 100 عام، على خلفية اتهامه بـ"الانتماء لتنظيم إرهابي".
وفي منتصف 2017 اعترف آيدن أونال النائب من حزب العدالة والتنمية، المستشار السابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوجود ممارسات وعمليات تعذيب داخل السجون التركية.
وحذر أونال وهو نائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، في مقاله المنشور بصحيفة "يني شفق"، من أن ممارسات التعذيب المتبعة تجاه "حركة الخدمة"(جماعة المعارض فتح الله غولن) تساعد الحركة على نموها وليس القضاء عليها.
دائرة الاحتمالات تضيق
وفي ظل تكتم السلطات التركية بشأن وقائع وفاة الأسير الفلسطيني في سجونها، وفي ضوء التحذيرات التي أطلقها شقيقه ومخاوف الأسرة من إجبار رفيقه في المحنة سميح شعبان من الإدلاء بإفادة كاذبة بشأن القضية، لم يعد السؤال ما إذا كان انتحر أم قُتل، بل هل مات زكي حسن تحت وطأة تعذيب وحشي أم قُتل عن عمد لغلق ملف القضية؟
aXA6IDMuMTQuMTMyLjE3OCA=
جزيرة ام اند امز