لتستمر حكاية الحب الإماراتي مزدهرة وملهمة إن شاء الله.
في يناير عام 2012 أجريت مقابلة تلفزيونية مسجلّة مع الرئيس التركي السابق (عبدالله غُول) في القصر الجمهوري بأنقرة، كان الرئيس قبل المقابلة وأثناءها وبعدها يتحدث بإعجاب شديد عن تجربة الإمارات التنموية وريادتها في مختلف المجالات، مشيداً بحكمة وحنكة قيادتها التي جعلت منها دولة تحظى باحترام العالم أجمع، وأتذكر جيداً حينما قال لي قبل اللقاء ونحن نستعد للتصوير: «من حقكم أن تفتخروا ببلدكم لأن منجزاتها كثيرة وكبيرة حققتها في فترة زمنية وجيزة»، فقلت له حينها إن ما يميزنا في الإمارات ولاؤنا المطلق لوطننا وقيادتنا، وأن أهم صفة نتميز بها عن غيرنا قربنا من قيادتنا التي لم تدّخر جهداً في سبيل تحقيق الرفاهية والعيش الكريم لشعبها.
يمكن أن يفهم البعض أن تفرّد التجربة الإماراتية واختلافها لم يكن نفطاً ومالاً بقدر ما كان حكاية حب بين الإمارات وشعبها وقادتها وسمائها وأرضها وكل من أحبها وعاش بين ربوعها... حينها فقط يمكن أن نفهم لماذا يضحّي الإماراتيون بأنفسهم بكلّ بسالة وقوة للحفاظ على وطنهم وأمنه واستقراره.
تبدو التجربة الإماراتية شديدة الفرادة وملهمة لأقصى حد، ومهما حاولت في حديثك تحري الموضوعية فيها فستظهر علامات الإعجاب وملامح التقدير جليّة في حديثك عنها -كما قال الرئيس التركي وقتها- ففرادة هذه التجربة وتميزها جاء من أسباب عدة، أهمها الفترة الزمنية لهذه التجربة التي نضجت وتطورت وازدهرت فيها كان قياسياً بشكل لافت في عمر الحضارات والشعوب دون الإخلال بأي بند من بنود هذا الصرح الحضاري العظيم، ما جعل من هذه التجربة محفّزة على مستوى الفكر والإنجاز والإنسان والقيادة والإدارة والتطوير وغيره.
أعرف أننا في أيام نحتفي بهذا المنجز الإنساني الحضاري المبارك ( دولة الإمارات العربية المتحدة)، ويتحدث الجميع عن المنجزات الإنسانية والحضارية فيها التي ملأت الدنيا وشغلت الناس وألهمت الكبار والصغار، إلا أنني أركز على نقطة بالغة الأهمية والتأثير في بناء أي شيء معنويا كان أم مادياً، ألا وهو المحبة، المحبة بكل تجلياتها من إحساس بالآخر وتعاطف معه، وحب الخير له، بل السعي الجاد بأن تأخذ بيد من تحبهم من ضيق إلى سعة وبهجة وجمال.. كان ذلك أحد أهم الأسرار التي ميزّت شخصية الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان، محبته الكبيرة التي فاقت كل الحدود، فاستطاع من خلالها وبها تليين كلّ التحديات والصعاب. وليس المال والنفط وحده هو سرّ الإنجاز الإماراتي، لأن الكثيرين ملكوا المال والثروات، لكن لم يستطيعوا أن يشيّدوا صرحاً متكامل الأركان ملؤه الحب والقوة والازدهار معاً بشمولية نادرة التحقق.. نعم الشمولية التي تتميز بها التجربة الإماراتية وتحقق توازنها وتناغمها اللافت تكاد تكون أيضاً من أهم أسرار تفوق هذه التجربة..
فمنذ تأسيس دولة الإمارات على يد المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد والاهتمام بالإنسان أولاً، وكلّ ما من شأنه أن يستثمر فيه وينمّيه كان أولى الأولويات في رؤية الشيخ زايد ورسالته التي شملت الإنسان والأرض والشجر والعالم كلّه، ولم تترك مجالاً من مجالات الحياة إلاّ وأنجزت فيه وأثمرت انفتاحاً، تسامحاً، علماً، عملاً، ريادة، دعماً ومؤازرة.. والأهم في هذه الرسالة أنها تخطّت بإنسانيتها حدود دولتنا لتشمل القريب والبعيد وكلّ من في حاجة سعى الشيخ زايد أن يمدّ له يد الخير والعون.
وإذا كان الشيخ زايد هو هدية الخالق العظيم للإمارات وأبنائها بكل الحب والحكمة والعمل الذي منحه لهم، فإن أبناء زايد -ولله الحمد- استطاعوا تقدير كلّ ما قدمّه الوالد الراحل من قبل، فحملوا رسالته كخير رسل لحياة جبارة جميلة وإنسانية من أرفع طراز.
هذه المسؤولية الجليلة استطاع قائدنا الفذ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، أن يحملها بتفان وأمانة ما جعل بلادنا في أوج ألقها العالمي على صعد كثيرة ومؤشرات تنموية أولى في مجالات كثيرة، يسانده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، القائد المبدع والمنجز الذي وعد بالمستحيل وحققه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي سعى ويسعى بكل قوة وحب بمساندة إخوانه حكام الإمارات لجعل البيت الإماراتي (بيتاً موحدّاً) لا تقوى أعاصير الدسائس والتطرف والإرهاب النيل منه ومن أمنه واستقراره.
وهذا غيض من فيض.. يمكن أن يفهم البعض أن تفرّد التجربة الإماراتية واختلافها لم يكن نفطاً ومالاً بقدر ما كان حكاية حب بين الإمارات وشعبها وقادتها وسمائها وأرضها وكل من أحبها وعاش بين ربوعها... حينها فقط يمكن أن نفهم لماذا يضحّي الإماراتيون بأنفسهم بكلّ بسالة وقوة للحفاظ على وطنهم وأمنه واستقراره ملبين نداء الخير والمساندة أينما كان.. فهم أبناء الشيخ زايد الذي منح الجميع الحب دون النظر لعرق أو دين أو قرب أو بعد.
وبدورهم بقية الأبناء يقدّرون كل التقدير ما قدمّه إخوانهم الشهداء من تضحيات سامية لا يعوضها إلاّ إيمانهم العميق بأن الشهداء في جنة الخالق الكريم ينعمون، وأنّ آباءهم وأمهاتهم وأبناءهم هم أهل لكلّ الإماراتيين، يشعرون بمصابهم ويثمنّون صبرهم وبطولاتهم ومحبتهم الكبيرة لوطن يسمى الإمارات.
اليوم تحديداً الثلاثون من نوفمبر نعيش مناسبة غالية على قلوبنا «يوم الشهيد»، الذي نستذكر فيه شهداء الوطن الأبرار، الذين قدّموا أرواحهم لله تعالى في سبيل إحقاق الحق، ونحتفي بعد ذلك بمسيرة النهضة المباركة باليوم الوطني السادس والأربعين، نحتفل باتحادنا الذي رسخ فينا مشاعر الوفاء والانتماء والولاء لهذا الوطن المعطاء، ولتستمر حكاية الحب الإماراتي مزدهرة وملهمة إن شاء الله.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة