"زوج بغال".. لماذا أطلق هذا الاسم على معبر يفصل بين المغرب والجزائر؟
لم يكن الوضع كما هو اليوم، كُنا نتغدى في وجدة شرقي المغرب ونبيت في مغنية جنوبي الجزائر، لنعود في اليوم التالي ونسبح جميعاً في مياه السعيدية بالمغرب، لم يكن أحد يمنعنا، لكن الآن صار الوضع مُغايراً تماما.
ما سبق هي عبارات تتردد على ألسنة أغلب سكان المنطقة الحدودية بين المغرب والجزائر، مثل "رشيد"، الذي ترعرع بين مدينة وجدة مسقط رأس والدته ومغنية حيث كبر والده، إلا أن إغلاق الحدود عام 1994 بين البلدين، جعل الأسرة تستقر حيث عمل الوالد.
بضعة أمتار تصير كيلومترات
يقول رشيد: "كنا نقطع الحدود في أقل من نصف ساعة، وأحياناً لا تكلفنا أي سنتيم، لكن اليوم كي ننتقل من مغنية نحو وجدة، صار لزاماً علينا السفر إلى مدينة الدار البيضاء، وامتطاء الطائرة إلى وهران، ثم نٌسافر إلى مغنية في رحلة قد تستمر يوماً كاملاً".
ويُوضح رشيد أن الانتقال من وجدة إلى مغنية، بخلاف السابق الذي كان لا يكلف سوى بضع دولارات وأحيانا لاشيء، صار اليوم يكلف حتى 700 أو 800 دولار أمريكي.
ويُرجع رشيد هذا الوضع إلى إغلاق المعبر، على اعتباره المنفذ البري الوحيد بين البلدين، الممتدة الحدود بينهما إلى 1800 كيلومتر، والذي كانت تسلكه العائلات المغربية والجزائرية في المنطقة لصلة الرحم وقضاء حاجاتها بين البلدين.
ولم يؤثر إغلاق المعبر على صلة الرحم فقط، بل تعدتها لتؤثر على التبادلات التجارية بين البلدين، مُخلفة أضرارا اقتصادية كبيرة خاصة على الشركات الواقعة في المنطقة الشرقية بالمغرب، ونظيرتها في المنطقة الغربية بالجزائر.
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المغاربة المتواجدين على التراب الجزائري، والجزائريين المقيمين بالمغرب، إلا أن تقريراً أممياً قدر عدد الجزائريين في المغرب عام 2014 بـ 20 ألف جزائري، فيما عدد المغاربة في الجزائر فيقدرون بحوالي 80 ألف مغربي.
بغلان وعقيد
المعبر وإن كان من الجانب الجزائري يحمل اسم "العقيد لطفي"، بعد تم تعديله منذ استقلال الجزائر، إلا أن الشائع هو اسمه الثاني، والذي يُطلق منذ الاستعمار الفرنسي، ولا زال نفسه المعتمد من الجانب المغربي "زوج بغال"، ويعني في اللغة العربية "بغلان اثنين".
وتتداول ألسنة أهل الشرق المغربي العديد من القصص حول السبب وراء تسمية المعبر الرابط بين الجارتين بهذا الشكل، أبرزها أن أصل التسمية يعود إلى قصة ساعيا بريد، أحدهما جزائري والثاني مغربي، كانا ينقلان أواخر القرن التاسع عشر، الرسائل بين الجارتين على ظهر بغلين.
كما يقول أهل المنطقة، إن الاسم هو تحريف لاسم عسكري فرنسي يُدعى "جورج بيغيل"، في حين يتحدث المؤرخ المغربي عبدالوهاب بنمنصور في كتابه "قبائل المغرب"، عن قصة ثالثة، ترجع سبب التسمية إلى خلاف بين قبيلتين، الأولى من مدينة وجدة والثانية من بني واسين.
ويورد المؤرخ في كتابه، أنه ولفض النزاع، تم الاهتداء إلى وسيلة تتمثل في ركوب كبيرا القبيلتين على بغلين، ثم ينطلقا، فحيث التقيا، فتلك هي الحدود الفاصلة بين أراضي القبيلتين، ليسمى مُلتقاهما بـ"زوج بغال"، نسبة إلى الدابتين اللتان امتطياهما.
إرهاب
وأغلقت الحدود المغربية الجزائرية منذ عام 1994، بعد تعرض مدينة مراكش المغربية لهجوم إرهابي، خلصت في أعقابها إلى أن المنفذ شخص من أصول جزائرية، وهو الأمر الذي رفضته الجزائر آنذاك.
وعام 1994 تم فرض تأشيرات الدخول للرعايا الجزائر، لترد الجزائر بإغلاق حدودها مع المغرب حتى يومنا هذا.
تم إعفاء الجزائريين من التأشيرة لدخول الأراضي المغربية عشر سنوات بعد ذلك، قبل أن يتم السماح للمغاربة عام 2005 بالدخول إلى الجزائر بدون تأشيرة، وذلك في أعقاب اتصال هاتفي جمع العاهل المغربي محمد السادس، مع الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وضع غير مقبول
والسبت الماضي، وصف العاهل المغربي الملك محمد السادس، الوضع القائم في الحدود المغربية الجزائرية بكونه "وضع غير مقبول" داعياً الجارة الشرقية إلى العمل دون شروط على حل الخلافات التاريخية وإعادة فتح الحدود بين البلدين.
وقال العاهل المغربي، في خطاب بمناسبة عيد العرش والذكرى الـ22 لتوليه قيادة البلاد: "أدعو فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويًا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبينا، عبر سنوات من الكفاح المشترك".
وأضاف العاهل المغربي: "ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول".
وأشار الملك إلى أنه "لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق. ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيًا، على استمراره".
وتابع: "ليس هناك أي منطق معقول، يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لا سيما أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود، أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم، أي مبرر مقبول".
وقال العاهل المغربي: "نحن لا نريد أن نعاتب أحدا، ولا نعطي الدروس لأحد؛ وإنما نحن إخوة فرق بيننا جسم دخیل، لا مكان له بيننا"، مؤكدًا أن "المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان".