هل وصل الحال ببعض السياسيين في واشنطن أن يطالب مرشح رئاسي بارز بتصنيف الناس على أساس ديني؟
هل وصل الحال ببعض السياسيين في واشنطن أن يطالب مرشح رئاسي بارز بتصنيف الناس على أساس ديني؟
لو كان هذا الكلام صدر منذ سنوات لقامت الدنيا ولم تقعد، لكننا نشاهد تحولا مؤسفا في الخطاب السياسي للجمهوريين ظهر بشكل أكثر فظاظة بعد هجمات باريس الإرهابية، ويتركز الآن على الجدل السائد بشأن توطين الآلاف من اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة.
القضية في ذاتها تستحق البحث والدراسة. فهناك ولا شك خطر أمني مع احتمال أن تندسّ عناصر من الإرهابيين أو مؤيدي داعش بين المهاجرين الأبرياء الذين هربوا من القتل والدمار الذي لحق ببلادهم. وأي شخص يكتفي بالمطالبة بقبول اللاجئين وفقط بدعوى التعاطف الإنساني وأن أمريكا بلاد المهاجرين، هو شخص غير مسئول أو لا يفهم عواقب ما يقول، خاصة بعد هجمات باريس واحتمال أن يكون أحد المتورطين فيها دخل فرنسا ضمن المهاجرين. لكن العلاج ينبغي أن يتم بالفحص والتدقيق الأمني الذي يتم حاليا ويستغرق نحو عام، وليس ما ذكره السناتور المحافظ تيد كروز بالسماح للاجئين المسيحيين فقط بدخول البلاد ومنع المسلمين بحجة أن المسيحيين لا يمثلون خطرا أمنيا، ودون أن يوضح كيف يمكن فرزهم دينيا بينما أغلبهم لا يملكون أية وثائق تثبت هوياتهم. وقد وصف الرئيس أوباما هذا الكلام بأنه مشين ومخز، وأعاد للذاكرة أن والدي كروز هربا من كوبا ووجدا ملاذا آمنا في أمريكا. أما المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون فعلقت في تغريدة لها قائلة: "لقد رأينا خطاب الكراهية كثيرا من الحزب الجمهوري، إلا أن فكرة أن يتم منع اللاجئين بسبب دينهم تمثل انحدارا جديدا".
لكن كروز يستمتع بمثل هذه المناوشات، واستغلها ليطالب أوباما بأن يواجهه مباشرة في مناظرة علنية. وهو بالطبع يعلم أن ذلك لن يحدث، لكنه يريد الاستفادة من ذلك الجدل في صراعه مع المرشحين الآخرين للرئاسة عن الحزب الجمهوري الذين يتنافسون الآن لإظهار أيهم أكثر قوة في مواجهة "الإرهاب الراديكالي الإسلامي" وهو التعبير الذين يتمسكون به. ثم جاءت قضية اللاجئين السوريين لتكثف تلك المعركة. فخرج المرشح كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرزي ليطلب عدم السماح لأي سوري بالدخول حتي لو كان يتيما عمره ثلاث سنوات. أما المرشح بن كارسون فطالب الكونجرس بمنع تمويل عملية استيعاب هؤلاء المهاجرين. واتخذ مرشحون آخرون مواقف مشابهة، بينما أعلن عدد كبير من الولايات، خاصة التي يحكمها جمهوريون، رفضهم لقبول تسكين اللاجئين في ولاياتهم، واضطر مسئولو الهجرة إلى نقل أسرة سورية إلى ولاية كنتيكت بعد أن رفضت ولاية إنديانا استقبالها في إجراء وصفه حاكم كينيتكت بالعنصري، مرحبا بالأسرة السورية في ولايته الأكثر ليبرالية.
وفي مجلس النواب بأغلبيته الجمهورية، تمت الموافقة على إجراءات من شأنها تعطيل استقبال اللاجئين في الوقت الحالي، وإن كان أوباما هدد باستخدام الفيتو ضدها، ووصفها عضو الكونجرس كيث أليسون، وهو أول عضو مسلم في الكونجرس، بأنها لا تعبر عن أمريكا وقيمها.
لكن مشكلة اللاجئين هي فقط تعبير عن التدهور الملحوظ في خطاب الجمهوريين تحديدا تجاه المسلمين، وهو ما يعكس بالطبع النظرة السلبية تجاههم بين المحافظين بحيث أصبح بعض المرشحين يلجأ للعبارات المعادية للمسلمين كوسيلة لكسب أنصار جدد بين الناخبين. فقد زاد تأييد بن كارسون عندما أعلن رفضه قبول مرشح مسلم للرئاسة. وحتي لا يترك له منافسه رجل الأعمال الشهير دونالد ترامب الساحة، خرج ليطالب بتخصيص قاعدة معلوماتية للمسلمين وربما استخراج بطاقات شخصية تحدد دينهم. والمبرر؟ منع اللاجئين الإرهابيين والدفاع عن أمريكا. المدهش أن ذلك يصب في نهاية الأمر في صالح داعش والقاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية التي يدعي هؤلاء أنهم يحاربونها. صحيح أن من المستبعد تنفيذ الكثير من هذه الترهات، لكنها ولا شك تقدم مادة خصبة لهذه التنظيمات للدعاية لنفسها وحشد المؤيدين. فالحقيقة العارية هي أن ترامب وكروز وكارسون وغيرهم من السياسيين الجمهوريين المتطرفين، يقدمون أكبر خدمة للإرهابيين باسم الدفاع عن أمريكا ضد الإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة