عادت سوريا مرة أخرى إلى الواجهة، رغم أنها لم تختفِ عنها كثيرًا، خاصة في الساحة البريطانية، ووجد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون نفسه مرة أخرى يعود إلى موضوع التصويت على توجيه ضربات جوية لـ"داعش" في سوريا، والمحرك الأكبر في ذلك كله هجمات باريس، التي جعلته يتساءل ويُفكر بصوت عالٍ في البرلمان البريطاني: "علينا أن نسأل أنفسنا إن كنا نفعل كل ما في وسعنا وما ينبغي أن نفعله للتصدي للمتطرفين إلى جانب حلفائنا".
وهذا يعني بالنسبة له تهيئة الأمور لزيادة التدخُّل مرة أخرى، ولكنه يحتاج إلى تأييد أعضاء البرلمان حتى يتجنَّب هزيمة مُهينة كالمرة السابقة، ورغم أن المعارضة له بالمرصاد، إلا أن هجمات باريس قد زادت من تيقُّنه بالفوز في التصويت هذه المرة، وهو التصويت المتوقع قبل أعياد الميلاد.
وما أثير هنا هو الحصول على موافقة من الأمم المتحدة، ولكن سُرعان ما تلاشى هذا التفكير، وتغلب عليه العمل الجماعي مع القوى العالمية الأخرى؛ لجلب السلام إلى ربوع سوريا، ولكنه مع العمل العسكري الذي يدعم الحل السلمي وطريقه هزيمة داعش في سوريا. ومع أن المسألة لم تصبح إحلال السلام في سوريا، بل مواجهة تنظيم داعش قبل أن يستفحل خطره ويمتد إلى ما هو أبعد من فرنسا، وهنا يكمُن الهاجس البريطاني من احتمال أن تواجه تهديدات وعمليات من قبيل عمليات باريس، خاصة إذا ما شاركت في الضربات الجوية.
وبطبيعة الحال فإن الدور الروسي الذي كان مستنكرًا من قبل، بات يمثل بارقة أمل في هذه المواجهة، خاصة وأن الدور الروسي هذا بدأ يتجاوز الضربات الجوية التي يدرك الجميع أنها لا تُجدي في القضاء على هذا التنظيم، وإن كانت تفت فقط في عضده ومعنوياته، وتدفعه إلى نقل معركته إلى الخارج.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ديفيد كاميرون لم يلزم نفسه تمامًا بإجراء التصويت لصالح توجيه ضربات عسكرية بعد، لكنه التزم بعرض المسألة بشكل أكثر حزمًا وأكثر شمولية لإقناع النواب، والكفة هذه المرة، وفي ظل المعطيات الحالية، تميل إلى الموافقة، فالبيان الذي ألقاه كاميرون خطوة كبيرة، لكنها خطوة واحدة في طريق طويل قبل إرسال الطائرات البريطانية لتغير فوق السماوات السورية.
والمعادلة الصعبة كما أشار الجنرال ديفيد ريتشارد، رئيس أركان الدفاع السابق، هي محاولة الجمع بين مواجهة داعش والتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد، وهو لا يعتقد أن هذا ممكن، والحل في رأيه أن تقدم بريطانيا والحلفاء الآخرون على إبرام اتفاق مع روسيا لتمهيد الطريق لقوات الأسد أن تقود المواجهة ضد داعش على الأرض.
ويحذر الجنرال السابق من أن عدم استخدام قوات الأسد، سيؤدي إلى تكرار حالة الفوضى في العراق في أعقاب الغزو 2003. ويركز الجنرال على الدور الروسي ويقول: "شِئنا أم أبينا، تلعب روسيا دورًا رائدًا، ومع أحداث باريس المحزنة يمكن للمرء أن يقول إن التدخل الروسي هو الذي أدى إلى تغيير طريقة التفكير، وعلينا أن نقبل الأمر الواقع بـأنهم هناك موجودون". ولا شك أن حسابات كاميرون يمكن أن تأخذ مثل هذا في الحسبان، ولو على مضض، رغم تشككه في الدور الروسي وتصريحه بأن الأمن القومي البريطاني لا ينبغي أن يكون تحت رحمة روسيا والفيتو، وهو يفضل الانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وفرنسا في توجيه ضربات لداعش في سوريا، وقد وعد رئيس الوزراء أن يفصل القول في الخطة البريطانية الخاصة بسوريا تفصيلًا في الأيام المقبلة ويضع استراتيجية شاملة، مستفيدًا من الزخم الذي وفَّرته أحداث باريس، وإن غدًا لناظره قريب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة