لكن نتنياهو الذي خسر مرغما جولة الاتفاق النووي، يريد الآن ثمن السكوت عنه
ربما أبلغ وصف للقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو في البيت الأبيض هو ما ذكرته شبكة سي إن إن على موقعها الإلكتروني، عندما شبّهت الاثنين بملاكمين في الجولة الأخيرة وقد أنهك كل منهما الآخر دون أمل في توجيه أحدهما للضربة القاضية.
ما لم تقله الشبكة الأمريكية هو من فاز بالنقط، وهو حكم يصعب إصداره بعد سبع سنوات من المواجهات الشخصية والسياسية جعلت مسئولا أمريكيا كبيرا يصف نتنياهو بأنه "براز دجاج" وجعلت أوباما هدفا للعداء الصريح في إسرائيل من قبل مسئولين وسياسيين، بل وسخرت منه إعلامية إسرائيلية معروفة بأن مشروبه المفضل هو "القهوة السوداء".
لكن بصرف النظر عن الفائز في مجمل الجولات، فالمؤكد أن أوباما فاز في آخر جولة حتى الآن عندما تمكن من تمرير الاتفاق النووي الإيراني رغم الحملات الشرسة لنتنياهو التي وصفت الاتفاق بأنه خطأ تاريخي، وتحالفه مع الجمهوريين في الكونجرس بما حوّل علاقة الدولتين إلى قضية حزبية.
وقد لفت نظري أن أوباما أشار إلى الخلاف القوي بينهما بشأن الاتفاق وإن كان حاول أن يقلل من مدلوله، بينما تجاهل نتنياهو تماما الحديث عنه أو عن البرنامج النووي الإيراني الذي كان موضوعه المفضل على مدى أعوام. ولا أظنه بذلك رفع الراية البيضاء، فقد سلم بمرور الاتفاق حتى الآن، لكن ماذا عن التنفيذ؟ هنا الشيطان في التفاصيل حيث يسعى لوضع كل القيود والشروط الممكنة لتقييد الجانب الإيراني، في انتظار رئيس جديد في البيت الأبيض وعندها لكل حادث حديث.
I، وأصبح أوباما مثل الزوج الذي ضُبط متلبسا بعلاقة غير شرعية، عليه الآن أن يرضي زوجته بكل ما لديه من إغراءات، حيث يتم التفاوض حاليا بشأن اتفاق دفاعي جديد بين البلدين بدل الاتفاق الحالي الذي ينتهي عام ٢٠١٧. وتشير بعض التقارير الي مطالب إسرائيلية برفع المساعدات العسكرية إلى خمسة مليارات دولار سنويا بدلا من ثلاثة حسب الاتفاق الحالي، وهي زيادة صعبة في ظل محاولات ضغط النفقات العامة، حتى مع كونجرس اعتاد الجدل في أي شيء إلا ما يتعلق بإسرائيل.
لكن الأهم من زيادة المساعدة، هو نوعيتها. وقد ألمح إليها نتنياهو في كلمته المقتضبة في البيت الأبيض بالحديث عن الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة. وسوف تحصل إسرائيل على طائرات إف ٣٥ وهي الأحدث في الترسانة الأمريكية، لكن الجدل خلف الأبواب المغلقة يدور الآن بشأن إمكانية حصولها على بعض قنابل خارقة للتحصينات الأرضية لأعماق كبيرة بما يمكنها من تهديد بعض المنشآت النووية الإيرانية مثل مفاعل فوردو لتخصيب اليورانيوم، لكن هذه القنابل أيضا متباينة الأحجام، ومنها ما يصل إلى ثلاثين ألف رطل بما يحتاج أيضا إلى تزويد إسرائيل بقاذفات استراتيجية، وهو ما يمكن استبعاده على الأقل في المرحلة الحالية. فليس من المنطقي أن يكافح أوباما على مدى سنوات للتوصل لاتفاق نووي مع إيران، ثم يقدم لإسرائيل السلاح الذي تستطيع به هدم كل ما بناه إذا شاءت. لكن الحصول على هذه الأسلحة سيظل هدفا إسرائيليا سعت إليه منذ سنوات طويلة. وقد أثير كلام بشأنه أثناء إدارة بوش، حتى إنني طرحته على وزير الخارجية في ذلك الوقت كولين باول، إلا أنه نفاه، وإن كان هذا لا يمنع إمكانية تحقيقه مستقبلا.
هذا الاستعراض السريع للملف الإيراني قد يوحي بتفوق أوباما في النقط ولو بفارق ضئيل قبل جولة العام الأخير لولايته، لكن رصد أوراق الحكام قد يأتي بنتيجة عكسية.
فمنذ الجولة الأولي بدأ أوباما مهاجما متحديا بتجاهل زيارة إسرائيل أثناء الجولة التي ألقى خلالها خطابا للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة. ثم أتبع ذلك بلغة عنيفة ضد المستوطنات الإسرائيلية في إطار سعيه لتوقيع اتفاق لتسوية القضية الفلسطينية. لكنه بعد سبع سنوات يسلم مساعدوه الآن بعدم إمكانية تحقيق هذا الهدف في فترة رئاسته ويشيرون إلى أن أقصى المتاح هو تهدئة الأجواء وتجنب ما يحول دون إنشاء دولة فلسطينية مستقبلا. هل يعني ذلك المستوطنات؟ لا يهم. فالإدارة التي بدأت برفض أي بناء بما في ذلك النمو الطبيعي أو التوسع الرأسي، أصبحت تكتفي ببعض البيانات الباهتة التي تعبّر عن قلة الحيلة أمام ما تراه من توسع كبير في هذه المستوطنات.
أيّا كانت نتيجة المباراة في تقدير أي حكم، فلا أظنها ستكون بالإجماع. وسوف يقف التاريخ طويلا عند هذه العلاقة المثيرة بين طرفي نقيض في كل شيء. بين رئيس ديمقراطي ليبرالي، ورئيس وزراء يميني متشدد. بين رجل متحفظ حريص على حساب خطواته، وآخر يتميز بالجرأة والاقتحام ولغة لا تعرف المهادنة في مواجهة الخصوم.
إذن لقاء الاثنين لا يعني صلحا بأي حال. هي هدنة تفرضها ضرورة التعامل بينهما في قضايا سياسية وأمنية لا يمكن تأجيلها، وسوف تصدر الكتب والأفلام التسجيلية ، وربما الدرامية، لترسم لنا صورة لا نعرف عنها حتى الآن سوى ملامحها الخارجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة