عندما التقيت دينييس روس، المبعوث الأمريكي السابق للسلام في مكتبه قبل أيام لمناقشة كتابه الجديد، كنت سأسأله بالطبع عن مواقف سوزان رايس
عندما التقيت دينييس روس، المبعوث الأمريكي السابق للسلام في مكتبه قبل أيام لمناقشة كتابه الجديد، كنت سأسأله بالطبع عن مواقف سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكي والتي لا يترك فرصة دون أن يستغلها للهجوم عليها، لكنه سبقني بالحديث عن تلك «المسؤولة» التي كانت حريصة علي كتمان كل ما يدور في المفاوضات مع إيرانعن إسرائيل، حتي إنها لم تبلغ المسئولين الإسرائيليين عما حدث من تطور قبل أسبوع واحد من توقيع الاتفاق الإطاري في نوفمبر ٢٠١٣.
دينييس روس خصص جزءًا من كتابه الجديد عن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية للهجوم علي أسلوب رايس في التعامل مع تلك العلاقة، التي وصفها في العنوان بأنها "محكوم عليها بالنجاح". لكن هذا الحكم الذي يراه روس كما لو كان قدريًّا، لا يراه آخرون بهذه الثقة، ومنهم كما هو واضح سوزان رايس.
لكن الأمر ربما يكون أعقد من مجرد موقف مسؤولة أمريكية من إسرائيل، حيث كانت المفاوضة الأمريكية ويندي شيرمان تطلب أيضًا من مساعديها عدم تسريب أي معلومات للإسرائيليين حتي لا يشوهوها أو يستغلوها في إفشال المفاوضات، وعندما طرحت ذلك علي روس قال ضاحكًا: إنه يعرف ذلك، لكنه ما كان ليحدث في فترة تولي توم دونيلون منصب مستشار الأمن القومي في الفترة الأولي لباراك أوباما.
هل يعني ذلك أن هناك انقسامًا داخل الإدارة الأمريكية بشأن إسرائيل، أو على الأقل بشأن الملف الإيراني الذي كان يتولى مسؤوليته لفترة ما؟
رغم أن الدبلوماسي المخضرم لم يجبني «بنعم» الواضحة، فإنه حكى لي تفاصيل عن ما يمكن اعتباره تناقضات أو على الأقل تباينات، كان هناك فريق يعتقد بضرورة إشراك الإسرائيليين فيما يدور «لأن ذلك سيساعد علي احتواء المواقف الإسرائيلية المعارضة والتحكم في ردود أفعالهم في حالة حدوث خلاف». لكن هذا التيار الذي كان يمثله روس بدعم أحيانًا من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، وكذلك نائب الرئيس جو بايدن، كان يواجه دائما ب "لا" من سوزان رايس وكانت وقتها سفيرة لدي الأمم المتحدة ومعها مؤيدون مثل دينيس ماكدونا الذي تولي فيما بعد منصب رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض.
هذا الانقسام كما يقول روس كان موجودًا في كل الإدارات الأمريكية بين من يرون فائدة التقارب مع إسرائيل كشريك، ومن يرونها أكثر كمشكلة، وقد تغلب التيار الأخير في الأشهر الستة الأولي لأوباما في البيت الأبيض، فكان الموقف الأمريكي القوي ضد المستوطنات الإسرائيلية، ووضح ذلك في عدم إدراج إسرائيل ضمن جولة أوباما عند توجهه بخطاب إلي العالم الإسلامي من جامعة القاهرة، فعندما طلب روس ذلك اعترض ماكدونا ومعه بن رودز نائب مستشار الأمن القومي بأن ذلك سيجعلها جولة تقليدية، لكن المؤكد أيضًا أن هذه المجموعة كانت تري أن زيارة إسرائيل ستعوق الهدف الواضح من الجولة بتحسين العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي بعد تدهورها الكبير في عهد جورج دبليو بوش.
لكن الثمن في تقدير روس كان باهظًا، فأمريكا لم تحصل علي الكثير من العرب والمسلمين، بينما تدهورت الثقة بين إدارة أوباما والإسرائيليين.
والحقيقة أن أوباما -باعتراف نيتانياهو ووزير الدفاع السابق إيهود باراك وغيرهم- قدم لإسرائيل من المساعدات الأمنية والاستراتيجية ما يفوق كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، وكان في حديثه مع روس وبقية المسئولين الأمريكيين دائمًا ما يؤكد: دعونا نتعامل مع هذا الأمر بشكل مستقل، أما خلافاتنا مع إسرائيل فسوف نتناولها معهم فيما بعد بشكل علني.
لكن ذلك لا يكفي، فقد اعتاد الإسرائيليون علي لغة واحدة من واشنطن تؤكد فقط علي قوة العلاقة بين الدولتين، ولم يكن من المقبول لديهم أن تصدر البيانات الأمريكية بهذه الحدة لتصوير الخلافات القائمة بشأن قضايا مثل المستوطنات أو عملية السلام مع الفلسطينيين.
هنا يستخدم روس نموذج بيل كلينتون الذي كان حريصًا علي تناول أي خلافات بشكل غير علني حتي لا يزيد من تعنت الجانب الإسرائيلي، وكان يبدي تفهما لمشاكل الإسرائيليين وقلقهم بصورة جعلت من الصعب حتي علي نيتانياهو رفض ما يطلبه كلينتون كما حدث في اتفاقية واي ريفر.
لكن كلينتون في الحقيقة كان محظوظًا بانتخاب إيهود باراك بعد ذلك، وكان الأقرب لسياساته، غير أن أوباما كان عليه أن يتعامل من البداية إلي اليوم مع نيتانياهو بكل ما بينهما من توترات وخلافات، وحتي روس لايبدو واثقًا من أن كلينتون كان سيتمكن من التوصل إلي اتفاق مع نيتانياهو بشأن القضايا الصعبة للتسوية مع الفلسطينيين، هو فقط يري أن إشراك الإسرائيليين يفيد أكثر من إبعادهم، والحقيقة أن ذلك ربما يكون صحيحا في بعض الملفات رغم ما يبدو فيه من تدليل للإسرائيليين بشكل لا نجده مع أي دولة أخري حليفة. إلا أنني مثلًا لا أري كيف كان ذلك سيساعد في تليين موقف الإسرائيليين من الاتفاق النووي مع إيران.
فالخلاف لم يكن تكتيكيًّا بل أساسيًّا، ولاشك أن أوباما توصل إلي نتيجة أن أي اتفاق لابد، وأن يتم رغم أنف نيتانياهو وتصرف علي هذا الأساس، وقد ركز روس كثيرًا أثناء لقائنا علي فشل أوباما في التواصل من الرأي العام الإسرائيلي، رغم كل ما قدمه من مساعدات؛ لأنه لم يحاول التقرب من الإسرائيليين وتفهم مشاعرهم كما فعل كلينتون، وصحيح أن الشكل والأسلوب كثيرًا ما يكون لهما أهمية تعادل المضمون أو تفوقه في بعض الأحيان، لكن هل راعي نيتانياهو هذا الشكل والأسلوب في خلافه مع أوباما، عندما اتفق مع رئيس مجلس النواب السابق جون بينر علي إلقاء خطاب في الكونجرس يعارض فيه الرئيس دون حتي مجرد إبلاغه؟
هذه العوامل كلها ستجعل لقاء أوباما ـ نيتانياهو بعد أيام هو الأكثر إثارة في لقاءاتهما العديدة، فأوباما يمكنه الآن دعوة نيتانياهو إلي البيت الأبيض ولكن بعد أن انتصر عليه بتمرير الاتفاق مع إيران، وعدم تمكن الجمهوريين من وقفه في الكونجرس، وبالتالي سيكون من السهل عليه أن يرحب به بابتسامة كبيرة تؤكد علي عمق العلاقة بين البلدين، لكنها توضح له في الوقت نفسه، من هو الحاكم الحقيقي داخل واشنطن، لكن نيتانياهو يتمتع بالنفس الطويل، وهو يدرك أننا دخلنا مرحلة العد التنازلي لإدارة أوباما، لذلك سيرد عليه بابتسامة مشابهة تقول: أشوفك بعد سنة خارج البيت الأبيض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة