انتهت زيارة الرئيس المصري -التي كان من المفترض أن تكون بداية شهر عسل بين مصر وبريطانيا ,
انتهت زيارة الرئيس المصري -التي كان من المفترض أن تكون بداية شهر عسل بين مصر وبريطانيا- بإضافة أعباء جديدة على تلك العلاقة، ولعل الصورة المرفقة لديفيد كاميرون وهو يضع يده على رأسه، وكأن لسان حاله يقول: لماذا كل هذا الصداع الآن؟ ولماذا يأتيه خبر احتمال التفجير بقنبلة مسربة بشكل من الأشكال، وضرورة أن ينقل ذلك للرئيس المصري الزائر؟
الزيارة كانت بدعوة رسمية، وقد طلبتها بريطانيا أكثر مما طلبتها مصر، وكانت مصر حريصة على إتمام الزيارة، وهذا توجه صحيح؛ لأنه لولا حادثة الطائرة الروسية لسارت الأمور بشكل جيد للغاية، بل ولكانت بداية شهر عسل، وهنا أختلف مع الذين كانوا يقولون بضرورة إلغاء مصر للزيارة أو تأجيلها .
الموقف الآن أصبح متأزمًا؛ خاصة وأن مصر تشعر بأن بريطانيا كانت رأس الحربة في تأليب العالم كله عليها، بل وربما دفعت الرئيس الروسي -رغم علاقاته الحميمية بالرئيس المصري- إلى اتخاذ قرارات مماثلة، تعدت منتجع شرم الشيخ إلى مصر كلها، فيما يتعلق بحركة الطيران... مصر ترى أن بريطانيا تسرعت، وكان حريًّا بروسيا أن تفعل ذلك لبريطانيا باعتبارها الطرف المتضرر، والرعايا القتلى روس.
الصحف البريطانية؛ بل والإعلام البريطاني كله، يمينه ويساره، لم يأل جهدًا في الحديث عن الحادث من منطلق الاعتقاد الكامل -ودون تحفظ- بأن الانفجار جاء نتيجة قنبلة داعشية على نحو أو آخر، وجاء مع هذا سرد الحكايات التي تظهر وجهًا قبيحًا للإجراءات الأمنية المصرية من تلقي رشاوى، وتساهل في الإجراءات، وتراخٍ في تقدير المخاطر الأمنية.
وقد أفردت صنداي تايمز صفحتين كاملتين لتقرير موسع، يشرح كيف تحول تنظيم داعش إلى عدو بالغ التعقيد، قادر على شن هجمات منسقة ضد المدنيين، كما أنه أصبح مصدر تهديد للعالم، وتشير الصحيفة في تقريرها إلى الحادث، بل وتصفه بأسوأ هجوم إرهابي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وتنقل الصحيفة عن مسئول بريطاني رفيع تحذيره من احتمال تحول تنظيم الدولة الإسلامية إلى جماعة إرهابية واسعة النطاق، قادرة على تهديد أهداف غربية في أنحاء العالم، ولا تقتصر عملياته على العراق وسوريا، بل وتنقل الصحيفة عن مسئول أمريكي قوله: إن داعش يمثل خطرًا أكبر من خطر القاعدة، وقد اجتمع لديه القابلية والقصد.
الأوبزرفير البريطانية أيضًا تعتبر الحادث يشكل لحظة تحول حاسمة في المعركة ضد الارهاب، وتشير إلى تلاشي الاعتراض الروسي على أن بريطانيا تسرعت في ترجيح مسئولية داعش عن الحادث، وأشارت الصحيفة إلى ما تراه أسباب التردد المصري والروسي إزاء هذه الفرضية، فالرئيس "بوتين" يعرف أنه إذا أقر بأن داعش وراء الكارثة؛ سيرى الجمهور الروسي أن ذلك ثمن تم دفعه بسبب تدخله في سوريا، وقد يلام شخصيًّا على هذا الهجوم، وأي هجوم إرهابي مستقبلًا.
أما بالنسبة لمصر؛ فتقول الصحيفة: إن السلطات المصرية بدءًا من الرئيس السيسي فما دون يفهمون أن ذلك دليل على اختراق الإرهابيين للإجراءات الأمنية في شرم الشيخ بأي شكل كان، ستكون له آثار كارثية على سمعة البلاد وقطاع السياحة الحيوي بالنسبة للاقتصاد المصري.
والحاصل الآن؛ حوار يشبه حوار الطرشان بين الطرفين المصري والغربي، ومعه الآن إلى حد ما الروسي، والمعضلة هنا هو تمسك الطرف المصري بنظرية المؤامرة، وبوجود حملة عالمية ضده، وبعدم فهم التوجه الغربي الذي يولي المواطن وأمنه في أي مكان أولوية كبرى، ويأخذ كافة الأسباب مأخذ الجد، وليس بالضرورة إحراج الجانب المصري، أو إظهاره بالجانب المسؤول مسئولية كاملة، والجانب الآخر من المعضلة هو أن بريطانيا أقامت الدنيا ولم تقعدها، وأوحت للآخرين بفعل ذلك، وكأن مصر تتوفر على كل الإمكانيات التي لديهم، كما أنها لم تقدم بارقة أمل لمصر تخفف عنها آثار هذه الكارثة، وبدت وكأن همَّها الأول والأخير هو إعادة رعاياها على الفور.
نظرية القنبلة هنا غيرت المعادلة، وأعادت الحسابات بعد أن أربكت المشهد، وأفضل حل هو أسلوب المكاشفة والمصارحة، أو"البرروتسترويكا والجلاسنوست" على الطريقة الروسية، بل وحتى التعهد بمعالجة أوجه القصور، وهنا سيجد العالم نفسه مشاركًا في الذنب، وفي وضع الحلول، ورب ضارة -كما قال البعض- نافعة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة