بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ذهب الرئيس جورج بوش إلي المركز الإسلامي في واشنطن حيث تحدث عن الإسلام كدين للسلام.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ذهب الرئيس جورج بوش إلي المركز الإسلامي في واشنطن، حيث تحدث عن الإسلام كدين للسلام، وأن تنظيم القاعدة تعبر عن قلة قامت بتحريف دين عظيم، وكرر بوش -وهو جمهوري- هذا المعني لسنوات طويلة أثناء ولايته، لكن مرت السنوات وصار بوش المتهم بالتطرف رمزا للاعتدال. انظروا إلي هذه العبارة:
"أنتم كبار الآن.. يمكنكم عمل ذلك.. ثلاث كلمات رددوها معي: الإرهاب الإسلامي الراديكالي"
كانت هذه تغريدة المرشح الرئاسي المحافظ عن الحزب الجمهوري مايك هاكابي، في تعليق ساخر على رفض المرشحين الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة استخدام التوصيف الإسلامي للعمليات الإرهابية مثل تلك التي وقعت في باريس، حيث فضلت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون استخدام كلمة الجهاديين، بينما نبه منافسها في ترشيح الحزب مارتن أومالي، إلي ضرورة ألا ينجر الأمريكيون للتعامل مع جيرانهم المسلمين علي أنهم أعداء، وذلك في المناظرة التي جمعته منذ أيام مع كلينتون والسناتور برني ساندرز.
لكن السناتور والمرشح الرئاسي الجمهوري ماركو روبيو رد بأن هذه ليست حركة جيوسياسية، بل تتحرك بوازع ديني، ويتساءل ومعه عدد كبير من السياسيين الجمهوريين: كيف يمكن أنت تنتصر في حربك علي الإرهاب دون أن تحدد العدو وتطلق عليه الاسم الصحيح؟
والحقيقة أن مجرد الجدل في هذا الأمر وعلي هذا المستوي يوضح إلي أي حد تدهور الخطاب السياسي العام فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين، حتي إن المرشح بن كارسون قال إنه لا يمكنه تأييد مرشح مسلم للرئاسة... صحيح أن ردود الفعل السلبية كانت كبيرة ضد هذا التصريح، لكن كارسون ارتفعت أسهمه كثيرا بعدها في سباق الرئاسة، بعد أن صار من الواضح تماما تنامي المشاعر المعادية للمسلمين بين الجمهوريين والمحافظين عموما، فلا أستطيع أن أتصور الآن مرشحا جمهوريا يمكنه ترديد كلمات بوش بأن الإسلام دين سلام، وأن تكون له فرصة في الفوز بترشيح الحزب.
وللإنصاف، فليس من المتصور أيضا أن يتمتع المسلمون بصورة جيدة بعد أن أصبح الإرهاب المتشح بالدين وعمليات القتل والذبح والتدمير مادة شبه يومية علي شبكات التليفزيون الأمريكية، وفي استطلاع أخير للرأي العام؛ كان المسلمون في ذيل قائمة من يقبل الأمريكيون بهم في منصب الرئيس، ومع هذا فنسبة القبول كانت ستين في المائة، وهي مفاجأة في تقديري تؤكد استمرار النزعة الليبرالية لدي أغلبية الأمريكيين، لكني لا أعتقد أنها ستستمر إذا سارت الأمور في الاتجاه الحالي.
والملاحظ أنه مثلما يتخذ الإرهابيون من الإسلام غطاء دينيا لتبرير جرائمهم، فإن هناك ولا شك عناصر أمريكية متطرفة تتخذ من هذه العمليات الإرهابية وسيلة لتشويه الإسلام.
وقد رد الرئيس أوباما علي مثل هذه المحاولات كثيرا، مذكرا الناس في إحدى خطبه باتخاذ المسيحية منذ قرون وسيلة لتبرير الحملات الصليبية، بما عرضه لانتقادات عنيفة، وفي نهاية مؤتمر قمة العشرين منذ أيام؛ أكد أن من الخطأ ربط الأحداث البشعة في باريس بالإسلام، وأوضح ما يسببه ذلك من ضرر "بزيادة تأييد المنظمات الإرهابية عندما يتم تحديد القضية بأنها مشكلة مسلمين وليست مشكلة إرهابية".
وهذه النقطة الأخيرة هي الأهم من وجهة نظري؛ وربما لا يريد أن يلتفت إليها أصحاب شعار "الإرهاب الإسلامي الراديكال"... فحتى في ظل إدارة بوش التي لا يمكن بحال وصفها بالليبرالية، فإنهم أدركوا عدم إمكانية هزيمة تلك الحركات الإرهابية دون حشد التأييد بين قطاعات عريضة من المسلمين، وكان هناك اهتمام كبير بما يسمي "الدبلوماسية العامة" لكسب العقول والقلوب، لكن التوجه العام لدي المحافظين يسير نحو اليمين بصورة تدعو للانزعاج، فهم يقدمون للمتطرفين الإسلاميين أكبر هدية، بتبرير مزاعمهم أن الغرب وأمريكا عموما معادية للإسلام، صحيح أن الإرهابيين لا ينتظرون مبررا لعملياتهم الإجرامية، وربما كانوا سيرتكبونها في كل الأحوال، لكن المطلوب هو محاصرتهم ونزع مبرراتهم بما يحد من تأييدهم في الشارع العربي والإسلامي، وهو أمر ليس في أجندة مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة الآن، بما يثير تساؤلات كثيرة عن صلاحية أي منهم لهذا المنصب، وما يمكن أن يمثله وصول أحدهم إلي البيت الأبيض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة