لم يكن لقاء محددا من قبل، لكني وجدت السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين في طريقي وأنا في الطابق الأرضي للمنظمة الدولية
لم يكن لقاء محددا من قبل، لكني وجدت السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين في طريقي وأنا في الطابق الأرضي للمنظمة الدولية وكلانا يتجه نحو الطابق الثاني الذي يضم مجلس الأمن قبيل التصويت على مشروع القرار الفرنسي لمكافحة الإرهاب. الدردشة العابرة لعدة دقائق مع تشوركين أوضحت الكثير بالنسبة لمشروع القرار الذي صدّق عليه مجلس الأمن الجمعة بالإجماع داعيا الدول الأعضاء لاستخدم كل الوسائل الضرورية (اللغة الدبلوماسية للحديث عن القوة العسكرية) ضد منظمة داعش ومعها جبهة النصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق.
أهمية الكلام مع السفير الروسي هي أنه سبق وتقدم بمشروع قرار آخر بشأن سوريا منذ شهر سبتمبر الماضي لكنه تعثر في مفاوضات الدول الأعضاء بالمجلس بعد أن اعترضت الولايات المتحدة ودول أخرى على ما تراه محاولة روسية لإضفاء الشرعية على نظام بشار الأسد. وقد تم إجراء بعض التعديلات في مشروع القرار هذا الأسبوع لكن لم تكن كافية لإنهاء الاعتراضات عليه، وبالتالي أصبحت الساحة خالية لمشروع القرار الفرنسي الذي صوّتت روسيا أيضا لصالحه، لكن تشوركين أشار إلى استجابة فرنسا لمطالب موسكو بإجراء تعديلات هامة بربط ما يتخذ من إجراءات بميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني ضمنا التمسك بسيادة الدول مع سماحه بالدفاع عن النفس، كما أكد لي استمرار محاولاته لاستصدار قرار آخر بناء على مشروع القرار الروسي، وهو أمر يبدو مستبعدا ما لم تُبد روسيا مرونة أكبر في صياغة مشروع القرار، وذلك ما أكده المندوب البريطاني ماثيو رايكروفت رئيس المجلس خلال الشهر الحالي، الذي ذكر صراحة أن الأمر متروك لروسيا للقيام بالتعديلات التي تتجاوز الخلافات القائمة.
لكن تشوركين ذكر أن مرونة موسكو لا تمسّ المبادئ الأساسية، مشيرا إلى الدور الأساسي "لحكومات الدول ذات السيادة فيما يبدو إشارة لنظام بشار الأسد دون ذكره تحديدا فيما قد يكون الحل الوسط في صياغة مشروع القرار الروسي، لكن لا أعتقد أن ذلك يكفي في ذاته للحصول على موافقة المعارضين. وربما تشعر بقية الدول الأعضاء الخمسة عشر الآن أنه لا توجد ضرورة ملحة لاستصدار قرار جديد بعد أن تم التوافق بالفعل على القرار المستند للمشروع الفرنسي. وأهمية هذا القرار ليست فقط أنه يسمح باستخدام القوة، فهي يتم استخدامها بالفعل من قبل دول عديدة خاصة في سوريا، لكن كما ذكر لي السفير الفرنسي فرانسوا ديلاتر بعد إصدار القرار، أنه يضفي الشرعية الدولية المطلوبة على الإجراءات العسكرية ويؤكد وحدة المجتمع الدولي ضد المنظمات الإرهابية.
إذن على روسيا أن تقنع الدول الأعضاء بجدوى قرار جديد يناسب موسكو دون أن يتعارض مع مواقف تلك الدول. وقد وردت تقارير مؤخرا بأن واشنطن وبعض الدول العربية تجد مؤشرات إيجابية في مواقف موسكو بخصوص تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، كما تسعى تلك الدول لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحديد الفترة التي يمكن أن يستمر فيها الرئيس الأسد في منصبه في إطار المرحلة الانتقالية. وقد نقل عن مسئول أمريكي أن هناك بالفعل توترا بين روسيا وإيران بشأن مستقبل سوريا، إلا أن تشوركين بدا متحفظا في الحديث عن هذا الأمر وقال إنه ليس منخرطا في المداولات مع الجانب الإيراني، وإن كان أشار إلى الأفكار المثيرة للاهتمام التي يتقدم بها الإيرانيون. في كل الأحوال، فإن ما يدور في مجلس الأمن من مناورات ربما يكون ملخصا للتوافقات والتحالفات ومعها الصراعات بشأن سوريا وطريقة التعامل مع التهديد الإرهابي المتزايد فيها. غير أن التوافق حتى اللحظة يبدو قاصرا على ضرورة التعامل الحاسم مع داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية، دون أن يمتد بعد لطبيعة التحولات السياسية القادمة وكيفية ترجمتها على الأرض. لكن الواضح أن الجميع يدرك الآن أن توسع وانتشار الخطر الإرهابي مع نزوح مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوربا، لا يعطيهم رفاهية استهلاك الوقت، وأن عليهم احتواء النيران المندلعة في سوريا بعد أن أصابهم بالفعل بعضٌ من لهيبها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة