بالصور.. "المعز" أكبر متحف مفتوح في العالم يدخل نفق الإهمال
الشارع الأثري بالقاهرة من أصالة الماضي لعشوائية الحاضر
شارع المعز لدين الله الفاطمي بوسط القاهرة يعتبره المؤرخون أكبر متحف مفتوح في العالم، يد الإهمال لم تراع قيمته الحضارية وعمقه التاريخي
يعتبره المؤرخون أكبر متحف مفتوح في العالم، غير أن يد الإهمال لم تراع قيمته الحضارية وعمقه التاريخي الذي يجسد لفترة من أهم فترات "مصر" التاريخية "الدولة الفاطمية".
شارع المعز لدين الله الفاطمي بوسط مدينة القاهرة لم يزل شاهدًا على عبَق التاريخ وأصالة الماضي، فالمباني الشاهقة التي تحمل بين طياتها فنًا معماريًّا ذو طابع إسلامي نادر، والمساجد التاريخية والقصور التي استحالت منارات ثقافية لعرض فنون المسرح والفلكلور، لا تستحق ما طال الشارع من إهمال وعشوائية.
في جولة بشارع المعز لدين الله الفاطمي.. رصدت بوابة "العين" التغيرات الطارئة على الشارع الأثري، بيد أنه لم يفقد بريقه الذي عُرف به، وسحره الذي لم يزل يملأ جنباته.
بوابة دخول الشارع من ناحية منطقة باب الشعرية والتي تعرف بـ"باب الفتوح"، عرفت منذ عقود فائتة بشدتها الأمنية، حيث لم تكن تسمح بدخول السيارات بكل أنواعها، على عكس ما هو موجود الآن، حيث يسمح للسيارات بالمرور في الشارع وهو ما يعيق حركة التجول والسير ويلقى اعتراضًا كبيرًا من زوار الشارع، والغريب في الأمر أن القوات الشرطية المكلفة بمنع السيارات تقف على مقربة من الباب غير أنها ترفع لها الحواجز الحديدية أحيانًا للمرور.
على يسار باب الفتوح يقبع في استقبال زائري شارع المعز مقام أثري معروف بمقام العارف بالله "حسن الذوق"، حيث يتجمع حوله المارة دائمًا لالتقاط أول صورة في شارع المعز، ويقال إن صاحب المقام كان رجلًا صالحًا شهيرًا بإصلاح ذات البين، وعندما قرر الخروج غاضبًا من مصر توفي عند باب الفتوح فبُني له مقامًا، ومنذ ذلك الحين والمصريون يستخدمون المثل الشعبي "الذوق مخرجش من مصر".
على بعد خطوات من باب الفتوح يقف مسجد الحاكم بأمر الله شاهقًا، والذي يعد من أعظم المساجد التاريخية في مصر، ومن هنا تبدأ رحلة الفضول لكشف تفاصيل الشارع الأثري العظيم، غير أن أصوات السيارات وضجيج الباعة يظل حجر عثرة في سبيل التجول بحرية.
المهندسة نيرمين سامي، أحد رواد الشارع، قالت إن شارع المعز اختلف تمامًا عنه قبل اندلاع ثورة يناير 2011، حيث غابت عنه تلك الهالة التي كانت تميزه باعتباره مقصدًا سياحيًّا بارزًا بوسط القاهرة، يُمنع فيه ما يقلل من أثره التاريخي أو يلوثه كمرور السيارات مثلًا أو انتشار الباعة الجائلين أو العبث بالمباني الأثرية، فالأوضاع اختلفت به حيث طالته العشوائية ولم يعد يستقبل من السائحين إلا ما ندر.
وأضافت نرمين: لا استبعد نفور الزائرين عن الشارع والانطباع الذي يعتريهم بعد انتشار عدد من الظواهر أهمها السماح للسيارات وعربات الباعة للمرور، وما يخلف ذلك من ازدحام وعشوائية في حركة السير والتجول، ويؤثر على حالة التأمل لفنون العمارة وتفاصيل المباني، وكذلك شروع الأطفال أحيانًا في لعب الكرة بالمنطقة الأمامية لمسجد الحاكم بأمر الله بجوار باب الفتوح.
كما انتقدت التغيرات الطارئة على نظم الإضاءة بالشارع، والتي كانت موزعة بعناية فائقة ومتسقة مع نوع ولون أحجار المباني الأثرية، فكانت تمتزج لتخرج لوحة جمالية حالمة تبعث على هدوء النفس وسمو الذات، مضيفة أن الكشافات الضوئية التي كانت تنبعث من أرضيات الشارع تم تحطيم معظمها وحل بديلًا عنها أضواء المقاهي والشرفات السكنية والمحال التجارية، مما سبب خللًا في الشكل المعروف عن الشارع، كما انتشرت البقع الظلامية في مناطق هامة منه عقب إتلاف المصابيح التي دشنتها وزارة الثقافة قبل ذلك.
استكمالًا للتجول بشارع المعز.. المقاهي لم تراع حرمة الأرصفة التي خصصت للمارة فافترشت حرم الطريق بالكراسي وضمت جزء من الشارع إلى ملكيتها بدون أي رادع، كذلك بعض الباعة خصصوا أجزاء من الرصيف والحوائط التراثية لتعليق بضائعهم، كما تجاوزت محال الجزارة وغيرها بتلويث نهر الطريق بالمياه غير النظيفة، في غياب تام للرقابة الأمنية والثقافية.
ومع ذلك بقيت محلات عرض التحف الشعبية المضيئة والمقاهي التاريخية الشهيرة كمقهى أم كلثوم ومقهى ساقية المعز، بينما اعترض الزائرون على زيادة الحواجز الحديدية أمام مقهى أم كلثوم بزعم تشويه واجهته.
بجانب الطريق جلس أحد الرسامين منشغلًا بإنهاء لوحته الفنية وسط إقبال غير قليل من المارة عليه لالتقاط الصور التذكارية معه، الرسام لم يسهب كثيرًا في الكلام لانشغاله بالرسم، غير أنه أكد أن وجوده بشارع المعز وسط كل هذه الحضارة ملهمًا لأي مبدع، كما طالب وزارة الثقافة المصرية بالعناية بالشارع وما يحتويه من ثروات تراثية.
مرورًا بالجامع الأقمر ومأذنة السلحدار وحتى مدخل بيت السحيمي كانت الشمس غادرت الشارع تمامًا وطلت الأضواء الخافتة المنبعثة من ما بقي من كشافات أرضية، وترامى إلى الأسماع موسيقى أحد الحفلات في بيت السحيمي، حيث تراصت فرقة الموسيقى العربية مسرح بيت السحيمي وراحت تعزف أشهر الألحان الشعبية.
محمد عطية، موظف حكومي من رواد الحفلات الفلكلورية في "بيت السحيمي" الذي يتوسط الشارع، قال: اعتدت على المجيء إلى هنا مرتين أسبوعيًّا لحضور حفلات الإنشاد الديني وعروض الفنون الشعبية "الفلكلور" ومسارح العرائس، غير أن الوصول إلى مسرح بين السحيمي اختلف كثيرًا عن السنين الفائتة، فالمدخل الرئيسي لبيت السحيمي من ناحية شارع المعز كان دائمًا يتحلى بالهدوء والسعة بداية من درج السلم وحتى باب المسرح المفتوح، اليوم نجد صعوبة في تجاوز هذا الدرج بسبب افتراش أحد المقاهي له، والسيطرة على حرم الشارع حتى أن الانتظار بهذه المنطقة لحين فتح الباب أصبح محرمًا علينا بدون أجر، فصاحب المقهى يعتبره ملكًا له.
"محمد" لم يقطع عادته في المجيء إلى الشارع والتجول به وحضور الحفلات التي يهواها أملًا في أن تتحسن الأوضاع به - كما يعد بذلك المسؤولون -.
قبل نهاية الشارع يتقابل أثران معماريان هائلان متمثلان في مجموعة قلاوون والتي تتكون من: مبنى شاهق ومبخرة ومسجد يخلفه مستشفى، وسبيل محمد علي الذي يحتوى نقوشًا نادرة محلاة بماء الذهب.
وشكا المتواجدون في المكان من إضافة حواجز حديدية بالمنطقة الوسطية بين تلك المباني، والتي أخلت بالشكل الجمالي للمكان وأوحت بضيق مساحته.
في النهاية يبقى شارع المعز مقصدًا سياحيًّا هامًّا، وموردًا ثقافيًّا لا يستهان به، ويظل منوطًا بوزارتي الثقافة والآثار في مصر إعادة الشارع إلى عهده السابق.