تقاطع الخصوم والحلفاء.. هل ينجو الغنوشي بعد 3 يونيو؟
جلسة عامة يجزم محللون بأنه مهما كانت نتائجها، إلا أن الغنوشي سيخرج منها بخسارة سياسية ثقيلة ستحدد بوصلته المستقبلية
للمرة الثانية خلال أشهر قليلة، من المنتظر أن يقف زعيم إخوان تونس، الأربعاء المقبل 3 يونيو/حزيران، أمام البرلمان لمساءلته حول تحركاته الخارجية المشبوهة واتصالاته التي باتت تهدد الدبلوماسية التونسية.
جلسة عامة يجزم محللون بأنه مهما كانت نتائجها، إلا أن الغنوشي سيخرج منها بخسارة سياسية ثقيلة ستحدد بوصلته المستقبلية، وقد تحيله على تقاعد إجباري تفرضه الورطة التي يتخبط فيها بالفترة الأخيرة.
فما بين الاستياء الشعبي والاتهامات التي تلاحقه بالخلط بين صفته كرئيس للبرلمان ورئيس لحركة النهضة، ومحاولة فرض توجهاته وامتداداتها الأيديولوجية على عمل المؤسسة التشريعية، وبين خلافاته الداخلية، تستعر النيران بمحيط الرجل من كل جانب، في نقطة يلتقي فيها ضده خصومه وحلفاؤه.
تقاطع الخصوم والحلفاء
قرار رسمي اتخذه البرلمان التونسي قبل أيام بعقد جلسة عامة الأربعاء المقبل لمساءلة الغنوشي، على خلفية تهنئته لرئيس ميليشيات طرابلس في ليبيا، فائز السراج، بالسيطرة على قاعدة الوطية الجوية.
نبيل الحمروني، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية، اعتبر أن مساءلة الغنوشي هذه المرة ستشكل ذروة الورطة السياسية التي يشهدها بالفترة الأخيرة.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال الحمروني إن "الغنوشي قد يكون محظوظا لأنه أفلت من 3 أحكام بالسجن المؤبد وحكم بالإعدام، وقد يكون محظوظا أكثر لأن احتجاجات 2011 أفسحت له المجال للركوب على مطالب الشعب والانقضاض على السلطة، ولكنه سيحتاج إلى أكثر من الحظ للخروج بسلام من جلسة 3 مايو".
وتابع أن "زعيم الإخوان أقحم نفسه في الصراع الليبي دون أن تكون له أي صفة رسمية تؤهله للعب دور مماثل، بل بمجرد مكالمات هاتفية، وضع نفسه في ورطة فضحت طبيعة الأجندة المشبوهة التي ينفذها لصالح تنظيم الإخوان بملف الجارة الجنوبية".
وبشأن سيناريوهات المرحلة المقبلة بالنسبة للغنوشي، اعتبر المحلل السياسي لزهر الوسلاتي أن "زعيم إخوان تونس ارتكب هفوات متتالية ستكلفه الكثير بالمستقبل، وقد تجبره على الانسحاب أو البقاء بمهانة، لأنه منح بحركاته غير المحسوبة مجالا يتقاطع عنده خصومه وحلفاؤه".
وفي معرض توضيحه للجزئية الأخيرة، أضاف الوسلاتي لـ"العين الإخبارية"، أن اتصال الغنوشي بالسراج منح للحزب الدستوري الحر فرصة لتعزيز مطالبه بعقد جلسة للنظر بالدبلوماسيّة البرلمانيّة في علاقة بالوضع في ليبيا.
ولفت إلى أن لائحة "الدستوري الحر" وجدت دعما من رؤساء 4 كتل، وهي "الإصلاح" و"تحيا تونس" و"المستقبل" وأيضا "قلب تونس" حليف النهضة، أي أن الغنوشي من حيث لا يدري أحرج حلفاءه وأجبرهم على الاصطفاف مع خصومه، ليخلق بنفسها جبهة جديدة مضادة له، تتقاطع فيها مصالح الرباعي مع الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي.
ويرى الوسلاتي أن انخراط حزب "قلب تونس" الليبرالي ضمن الجبهة المنادية بمساءلة الغنوشي يأتي في ظل الانتقادات العديدة التي تطال الأخير سواء من مناوئيه ممن يستنكرون تقاربه مع نقيضه الأيديولوجي (النهضة)، أو من قيادات إخوانية.
وبخصوص انضمام حلفاء الحكم، وهم بالأساس "تحيا تونس" وكتلة "الإصلاح" إلى لائحة "الدستوري الحر"، اعتبر الخبير أن ما يربط الطرفين بالحزب الأخير هو تقاطع مصلحي ظرفي، لكن التقييمات والنوايا والأهداف المنتظرة تظل شأنا خاصا لكل طرف من الثلاثي.
من جانبه، عاد الحمروني ليؤكد أنه في حال أراد حزب موسي التضييق بشكل أكبر على الغنوشي وحرمانه من رئاسة البرلمان، فإن "تحيا تونس" و"الإصلاح" قد يفاجئا الرأي العام بموقف داعم لهذا التمشي رغم الإكراهات التي يفرضها تقاطعهما مع الحركة الإخوانية في الحكم.
نزيف إخواني
وبحسب الحمروني، فإنه "بغض النظر عن أهداف ورغبات الكتل البرلمانية، إلا أن المؤكد هو أن الغنوشي سيغادر جلسة الثالث من يونيو (حزيران) القادم وقد نزف كثيرا، بل قد تتسبب المطبات السياسية التي يواجهها خارج حركته وداخلها، في كدمات لن تمحي من سجله، وقد تحيله على تقاعد سياسي إجباري، يفرضه قبل كل شي سنّه (79 عاما)".
طرح يؤيده الوسلاتي الذي يرى أن الرصيد السياسي لزعيم الإخوان تآكل بشكل غير مسبوق، وبات حملا حتى على مؤيديه وقيادات حركته الإخوانية، ما يعني أنه سياسيا استنزف حتى الرمق الأخير، وتحول إلى ورقة محروقة تستنزف مشروع الفرع الإخواني الذي كان يأمل بتمدد سرّي في أوصال الدولة إلى حين السيطرة تدريجيا على مفاصلها دون ضجيج.
لكن الغنوشي أحرج حركته، وأجهض مخططاتها، يتابع الوسلاتي، بتباهيه غير المحسوب وعدم قدرته على السيطرة على انفعالاته الأيديولوجية، وكسره للبروتوكولات الدبلوماسية، مشيرا إلى أن زعيم الإخوان كان يعول على سياسة التكتّم على اتصالاته، ولم يكن ليدر بخلده أن "النيران الصديقة" ستأتيه من مكتب السراج نفسه الذي نشر بيان المكالمة.
اغتيال أو هجوم إرهابي
خناق يضيق على رأس إخوان تونس، يطرح احتمالات قوية بقرب حدوث اغتيال جديد في تونس، وفق الحمروني الذي اعتبر أن جميع المؤشرات الراهنة تدل على أن حدثا جللا يرتسم في أفق المشهد السياسي.
وموضحا: "الغنوشي لن يقبل بالانزلاق نحو الحضيض، ولن يسلم أبدا مقاليد الحركة أو الحكم مهما حدث، ولذلك، فإن أفضل حل لورطته يكمن في توجيه الأنظار نحو حدث مدوّ، وهو إما اغتيال شخصية سياسية معروفة، أو الضغط على زر الإرهاب من خلال تفجيرات أو هجمات أو أي شيء من هذا القبيل، بهدف إحداث فرقعة وصدمة تتفوق على الزلزال الناجم عن ورطته".