خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يزور مصر زيارةً تاريخيةً بكل المقاييس ترسخ العلاقات وتعزز المصالح وتشد التحالف.
المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية هما قائدتا الدول العربية ومعقد آمالها في توافقٍ عربي يزيد الاستقرار ويرسخ التعاون، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يزور مصر زيارةً تاريخيةً بكل المقاييس ترسخ العلاقات وتعزز المصالح وتشد التحالف.
عبّر الشعب المصري بكل فئاته عن الفرح والسعادة الغامرة بزيارة العاهل السعودي، وتسابق الإعلام المصري في التعبير عن هذا الفرح وهذه الحفاوة بكل الوسائل، فهي زيارة تعيد ترتيب الحسابات السياسية في المنطقة والعالم.
تمّ في الزيارة الملكية لمصر وبحضور الملك سلمان والرئيس عبد الفتاح السيسي توقيع سبع عشرة اتفاقيةً شملت ترسيم الحدود والتعاون في مجالات الإسكان والتعليم والثقافة والطاقة وغيرها، وكان لمجلس التنسيق السعودي المصري اليد الطولى في الإحاطة بكل هذه الملفات وترتيب كل هذه الاتفاقيات مع كل ما تطلبه ذلك من جهودٍ امتدت لعدة أشهر.
«جسر الملك سلمان» هو أحد أهم منجزات الزيارة، جسرٌ يربط قارتين، آسيا وأفريقيا، ويعيد ربط طرفي العالم العربي بريًا من جديد بعد عقودٍ من الانقطاع، وهو جسرٌ سيعيد بناء طريق حريرٍ جديد يمتد بين القارتين وتبنى عليه سلسلة من الطرق والسكك الحديدة مما يعزز الحركة التجارية ويسهل التنقل في كل المجالات.
طرق التجارة كانت عبر التاريخ ذات أثرٍ مهمٍ في صعود وهبوط الحضارات، ووسائل النقل كانت تستخدم هذه الطرق للتجارة ونقل العلم والخبرات من أمةٍ لأمةٍ، ومن حضارةٍ لأخرى، ولم تزل طرق التجارة الحديثة تقوم بالدور ذاته ووسائل النقل الحديثة بالعمل عينه.
قادت السعودية في عهد الملك سلمان تحالفين كبيرين، أحدهما «التحالف العربي» لدعم الشرعية في اليمن، وكانت مصر سباقةً للمشاركة في هذا التحالف وفاعلةً فيه بحرًا وجوًا، وحين أعلنت السعودية عن تحالف الدول المسلمة لحرب الإرهاب كانت مصر في مقدمة المشاركين والفاعلين، وقد شارك الجيش المصري بفعالية وقوةٍ في المناورات العسكرية الأضخم في تاريخ المنطقة، مناورات «رعد الشمال» التي أقيمت في شمال السعودية.
وتاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقين طويل ومشرّف، فقد كانت زيارة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الوحيدة خارج بلاده هي زيارة لمصر في عام 1946 وهي الزيارة التي احتفت به فيها مصر كلها، وزار القاهرة والإسكندرية ونقل تفاصيل مهمةٍ لها المؤرخ المعروف خير الدين الزركلي، وقد تحدث الأديب أحمد حسن الزيات صاحب «مجلة الرسالة» عن هذه الزيارة وذكر عظمة الاستقبال وأنه جمع الألوف المؤلفة.
وقد وقفت السعودية مع مصر في حرب 1956 أو ما كان يعرف بالعدوان الثلاثي، وقد تجند الملك سلمان حينها في الجيش لدعم مصر، كما ساندت السعودية مصر بعد حرب 1967 وكذلك حرب الاستنزاف، وبعد ذلك في حرب 1973 دعمت السعودية مصر بالجنود وبالموقف السياسي، حيث أمر الملك فيصل حينها بإيقاف تصدير النفط دعمًا للموقف المصري، مما كان له أبلغ الأثر في نتائج الحرب، وهو الأثر الذي أشاد به الرئيس المصري أنور السادات.
وفي غزو صدام حسين للكويت 1990 شارك الجيش المصري مع السعودية في التحالف الدولي حينها لتحرير الكويت، وصولاً لدعم السعودية اللامحدود لمصر في 2013 حيث دعمت خيار الشعب المصري والجيش المصري باستعادة الدولة المختطفة من خاطفيها إلى شعبها، ورفض الدولتين كل جماعات الإرهاب بشتى مسمياتها وكل أصنافها.
بعد هذه الزيارة الملكية مني أعداء الاستقرار في الدول العربية بنكسةٍ كبرى وذابت إشاعاتهم وإرجافهم على نار الحقيقة، وذهب سعيهم لدق إسفينٍ في علاقات البلدين أدراج الرياح، فعظمت الخيبة وتهور بعضهم في مهاجمة البلدين كما تهوروا من قبل بعد أحداث الفوضى في العالم العربي التي كان يسميها بعضهم ربيعًا.
مشاعر الفرح لم تقتصر على الشعبين السعودي والمصري، بل شملت كل محبي الاستقرار من الشعوب العربية والمثقفين العرب، لأن السعودية دعمت الاستقرار السياسي في الدول العربية ورفضت «استقرار الفوضى» والإرهاب الذي دعمته بعض التيارات وبعض القوى الإقليمية والدولية، فنجح رهان السعودية وخاب الخصوم.
هذه الزيارة تعزّز التحالف السعودي المصري وتزيده وتنميه وتمنحه حياةً ومستقبلاً، والدعم السعودي لاستقرار الدولة المصرية والشعب المصري مستمرٌ، وهو يتوسع ويكبر وإن بطرقٍ حديثةٍ ومتنوعةٍ تضمن استمراريته وتوسع أثره.
لم يحدث على طول التاريخ وعرض الجغرافيا أن توافق الحلفاء على كل شيء أو تطابقوا في كل شيء، وإنما هو التقاء المصالح الكبرى والأهداف الاستراتيجية، والمرونة في هذه التحالفات هي ضرورة النجاح وميزة البقاء وضامنة التأثير، فمنارات الاتفاق هي الحاكمة ومساحات الاختلاف متاحة فيما دون ذلك، هكذا كان وهكذا سيكون.
لم تألُ السعودية جهدًا في دعم مصر ودعم استقرارها، وقد صرح الرئيس السيسي أكثر من مرةٍ أن أمن السعودية ودول الخليج خطٌ أحمر، وكرر عبارته الشهيرة «مسافة السكة»، وحين جاء الامتحان ودقت ساعة الصفر، وأمر الملك سلمان بإطلاق «عاصفة الحزم» كانت مصر على الموعد وأرسلت قوّاتها البحرية والجوية وكانت مشاركتها في «التحالف العربي» مشاركةً فاعلةً وحقيقيةً.
زيارة الملك سلمان لمصر وتعزيز التحالف بين البلدين يشكل انطلاقًا لمرحلةٍ جديدةٍ من التعاون بين الدول العربية لحماية مصالحها ومصالح الشعوب العربية، وهي تفتح الآفاق السياسية لبناء توافقٍ عربي أشمل في دعم مرحلة ما بعد الفوضى، حيث الدفاع القوي عن سيادة الدول العربية والرفض القاطع لأي تدخلاتٍ خارجيةٍ في شؤونها الداخلية.
مكانة البلدين وقوتهما ستكون القاطرة التي تنعش وتعزز الطموحات العربية في الاستقرار والتنمية والنهوض، وسيكون عليهما مواجهة التحديات المتعددة من استهداف الأعداء الإقليميين لأمن الدول العربية ومواجهة جماعات الإرهاب والعنف الديني المنتشرة في كثيرٍ من الدول العربية ودول العالم.
تجمع البلدين رؤيةٌ واضحةٌ تجاه محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وقطع أصوله، ولديهما قوانين تجرّم الجماعات الإرهابية بأسمائها وتجرّم الجماعات الراديكالية بأصنافها، وهو توافقٌ يشكل منطلقًا لتعاونٍ إقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب، وجهود البلدين تصبان في الخانة ذاتها.
أخيرًا، كتب الملك سلمان على حسابه في «تويتر»: «لمصر في نفسي مكانة خاصة، ونحن في المملكة نعتز بها، وبعلاقتنا الاستراتيجية المهمة للعالمين العربي والإسلامي، حفظ الله مصر، وحفظ شعبها.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشرق الأوسط وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة