هل تجرى الانتخابات الرئاسية الجزائرية في موعدها؟
تفاصيل ما شهدته الجمعة الـ41 للحراك في الجزائر تشير إلى واقع مضطرب، لم يتغير كثيرا في ملامحه منذ فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية
أعادت الشعارات التي رفعها الحراك الجزائري في جمعته الـ41، 29 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، والتي أهمها "نقسم لن تكون هناك انتخابات" و"الجزائر أكبر من 12/12" و"هذه بلادنا ونحن من يقرر"، التساؤل الذي يطرح نفسه بين الحين والآخر، وهو: هل تجرى الانتخابات الرئاسية الجزائرية في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري؟
كما يسأل السائل، نتيجة ما شهدته بعض الولايات الجزائرية من تضييق على حملات بعض المرشحين من قبل عناصر غير راغبة في إجراء الانتخابية خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية، وكذلك حدوث مواجهات عنف بين الشرطة والرافضين للاستحقاق الرئاسي، ما هي أهم فترة الـ11 يوما المتبقية على فتح صناديق الاقتراع، وتحدياتها، والرئيس المحتمل الذي ينصب بعدها؟
- على وقع دعوات رافضة.. انطلاق حملة انتخابات الرئاسة بالجزائر رسميا
- تجدد المظاهرات الرافضة لانتخابات الرئاسة في الجزائر
مشهد مضطرب
تفاصيل ما شهدته الجمعة الـ41 للحراك في الجزائر تشير إلى واقع مضطرب في الداخل الجزائري، لم يتغير كثيرا في ملامحه منذ فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وكذلك لم تتغير مطالبه، التي انتهت بمطلب وحيد له مبرران، وهي: عدم تنظيم انتخابات رئاسية في الموعد المحدد، من منطلق أن مرشحي الانتخابات الرئاسية الخمسة هم من أتباع أو أنصار نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، أو من الذين أسهموا في صناعته سياسيا من أمثال بن فليس وعبدالعزيز بلعيد وعبدالقادر بن قرينة.
والمبرر الثاني أرجعته الجمعة الـ41 إلى أن الانتخابات الرئاسية تنظم من قبل الجهاز الإداري ذاته، الذي يتهم بتزوير انتخابات الرئاسة في عهد الرئيس السابق بوتفليقة.
وإذا كان شعار "لا انتخابات مع العصابات" الذي رفعته بعض قوى الحراك، ظل مربكاً للداخل حتى قبل بداية الحملة الانتخابية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، فإن ما تشهده بعض الولايات منذ هذا التاريخ، من تحولات خطرة في سلوك بعض رافضي الانتخابات، يمثل تحديا صعبا أمام السلطة خلال الـ11 يوما المتبقية على إعلان نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات المحتملة، وتتمثل أهم تلك التحولات في:
- مطاردات "المرشحين"، حيث شهد الأسبوع الأول من فترة الدعاية الانتخابية مطاردات للمرشحين من قبل بعض عناصر الحراك في الولايات، فقد كشفت مشاهد مؤتمرات وندوات بعض المرشحين عن عدم قدرتهم على مواجهة الناخبين، وصعوبة في تنظيم مؤتمراتهم في مناطق تجمعات عناصر الحراك، التي شهدت مظاهرات خارج بعض القاعات للتعبير عن سخطهم من الانتخابات المقبلة.
- "المواجهات المباشرة"، فقد أدت مطاردات عناصر الحراك في بعض الولايات للمرشحين إلى قيام الشرطة الجزائرية بتأمين بعض المؤتمرات، وهو الأمر الذي استتبعه مواجهات مباشرة بين قوات الشرطة والعناصر الرافضة للانتخابات أو بين هؤلاء وأنصار المرشحين.
وتمثل أحداث مدينة البويرة، شمالي الجزائر، التي شهدت مواجهات بين رافضين للانتخابات، وقوات الأمن المكلفة بحماية القاعة التي ستحتضن تجمع المرشح الرئاسي على بن فليس، مساء يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، تحديا كبيرا للسلطة قد يتكرر خلال الأيام المقبلة، ولو بصورة أخرى، على شاكلة الأحداث التي شهدتها مدينتا قسطنطينة وعنابة شرقي الجزائر، نتيجة افتعال اشتباكات بين متظاهرين كانوا يشاركون في مظاهرات تدعم الانتخابات، وآخرين يعارضون إجراءها في الظروف الحالية.
- تصعيد متنوع، وهنا نشير إلى أن المشهد الجزائري يشهد تصعيدا من قبل عناصر الحراك، وتشابكا مع مظاهرات الطلاب، وتهديدات القضاة بالتصعيد، وعليه قد تشهد الـ11 يوما المتبقية على إجراء الانتخابات تزايد حدة التصعيد من قبل بعض تلك الأطراف، بسبب إصرار السلطة الجزائرية على الوصول إلى الاستحقاق الرئاسي، وتمسك عناصر الحراك في الشارع بضرورة إجهاض الموعد.
هذا بالإضافة إلى تهديد القضاة بحركة احتجاجية جديدة، فوفقا لبيان نقابة القضاة الصادر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، فإن إضرابهم سيكون الأقوى، مقارنة بإضراب القضاة الشهر الماضي، والذي استمر 10 أيام متواصلة، بسبب عدم استجابة وزير العدل لمطالبهم.
متغيرات جديدة
رغم استمرار التهديد من قبل تلك القوى بتعطيل الانتخابات فإن ظهور بعض المتغيرات في المشهد الجزائري، أهمها: تدخل البرلمان الأوروبي في الشأن الجزائري ورد الفعل على ذلك، بالإضافة لقرارات الحكومة الجزائرية بشأن إعادة هيكلة بعض المقاطعات الجنوبية وتحويلها إلى ولايات، وتزامن النطق بالحكم في حق الوزيرين عبدالمالك سلال وأحمد أويحيى، ناهيك عن اشتداد حملة التشويه من قبل بعض رموز نظام بوتفليقة للمرشح الرئاسي القوي عبدالمجيد تبون، سيكون لها تأثيرات قوية على تشكيل ملامح فترة الـ11 يوما المتبقية على إجراء الانتخابات.
تفسير ما سبق، يشير إلى أن انعكاس حدوث المتغيرات سابقة الذكر على أرض الواقع، سيقلل من مخاطر الحراك على العملية الانتخابية. فقد يقتصر تأثير تحديات الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية على نسبة المشاركة فقط، دون إرجاء عقد الانتخابات في موعدها، وهو ما أكدته أحد شعارات الجمعة الـ41 من عمر الحراك "نقسم لن تكون هناك انتخابات". ومن ثم قد يقابل التصعيد من قبل قوى الحراك خلال الفترة المقبلة تزايدا في حجم الشريحة الراغبة في إجراء الانتخابات، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال:
انعكاس واضح بدأت ملامحه تتشكل على حجم الكتلة الناخبة الداعم للاستحقاق الرئاسي، نتيجة تدخلات البرلمان الأوروبي في الشأن الجزائري، حيث أدى التصعيد من قبل الحكومة الجزائرية ضد البرلمان الأوروبي ووصفها لتعليقه على الشأن الداخلي "بالوقاحة" و"التدخل السافر" في شأنها الداخلي، إلى لملمة بعض القوى تجاه المسار الذي تدعمه المؤسسة العسكرية الجزائرية.
وتلاحظ اتفاق مختلف اتجاهات الشارع الجزائري مع بيان رئيس الأركان الجزائري الفريق أحمد قايد صالح عن تلك التدخلات، وهو أن "الجزائر "لا تقبل أبدا أي تدخل أو إملاءات من أي طرف مهما كان". فقد تبناه الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر التنظيمات الشعبية، وتبنت الموقف أيضا بعض قوى الحراك، وبعض الأحزاب الدينية "حركة مجتمع السلم"، بالإضافة إلى المرشحين الخمس.
- حدوث تغير في السلم الانتخابي (استقطابه) في المناطق الجنوبية الجزائرية، حيث قد يؤدى تصديق الحكومة الجزائرية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، على مشروع قانون يهدف إلى ترقية 10 مقاطعات إدارية على مستوى الجنوب الجزائري والموزعة على 8 ولايات إلى ولايات عامة كاملة الصلاحيات، إلى احتمال تغير إيجابي في موقف تلك المناطق من العملية الانتخابية، خاصة أن بعضها شهد احتجاجات أثناء مؤتمرات بعض المرشحين.
- تزايد الظهير الانتخابي لبعض المرشحين قد تؤدي الحملة الشرسة من بعض أنصار نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ضد المرشح عبدالمجيد تبون، الذين يحالون الترويج باستقالات مزعومة من حملته، وفتح قضية ابنه المسجون، ورفض الشارع له، بالإضافة إلى درجة الحكم في قضية الوزيرين "سلال" و"أويحيى"، إلى نتائج إيجابية على حجم المشاركة في مؤتمرات المرشحين.
ولوحظ خلال اليومين الأخيرين تزايد أعداد الحاضرين في مؤتمرات "تبون"، كما صورتها بعض الفضائيات، وقد تنعكس أيضا أحداث الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية ومنها محاكمات الوزيرين المذكورين سابقا، وكذلك مدى استمرار المرشح الرئاسي عبد القادر بن قرينه من عدمه في العملية الانتخابية.
الرئيس المنتظر
مع افتراض وجود شريحة غير قليلة من الجزائريين يريدون الانتخابات، بهدف طي صفحة ما بعد بوتفليقة، والعودة إلى المسار الآمن، وقدرة مؤسسة الجيش الجزائري على تفادي أكبر قدر من الآثار السلبية للتحديات سابقة الذكر، وتغير شكل حملات المرشحين الخمس في الشارع، نتيجة تخوفات البعض من تكرار عشرية الدم، وتفادي تصادم محتمل، وهذا ما تردده رئاسة الأركان وتحرص عليه، يبقى السؤال غير المحير.. من هو الرئيس الجزائري المحتمل؟
وفقاً لقراءة ملامح برامج المرشحين، ومتابعة صفحات حملاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاهدة صور لبعض المؤتمرات المنعقدة خلال الأسبوع الأول من فترة الدعاية الانتخابية، يمكن القول إنه لا توجد منافسة حقيقية بين المرشحين الخمس، بل يكون هناك ترتيب في درجة رضاء الناخبين عن المرشحين، محسوبة على أساس وفق حجم تخوفاتهم من مرحلة ما بعد اختيار الرئيس.
إلى ما سبق وفي إطاره، يمكن ترجيح فرص المرشح عبدالمجيد تبون، خاصة بعد أن كشف الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية للمرشحين عن ضعف منافسه علي بن فليس. فالمقارنة بين المرشحين من خلال تحركاتهما في الشارع منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي وخطابهما الانتخابي، تشير إلى وجود فارق كبير في أعداد الحضور من الناخبين في مؤتمراتهما.
كما أن حالة الارتباك التي سيطرت على حملة "بن فليس" بعد أحداث مدينة البويرة، وما شهدته من عنف أثناء أحد مؤتمراته، ستنعكس بالسلب على أداء حملته في الأسبوع الثاني من فترة الدعاية، وربما يؤدي هذا إلى اقتصار مؤتمرات المرشح على القاعات المغلقة، تخوفاً من احتكاكات مع بعض عناصر قوى الحراك.
بالإضافة إلى هذين المرشحين، هناك 3 على درجة أقل، ومنهم اثنان خارج حسابات الناخبين الجزائريين، وهما عبدالقادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني الإخوانية، التي تعرضت حملته الانتخابية للعديد من المضايقات من قبل الشارع، بالإضافة إلى اقتصاره في عقد مؤتمراته على قاعات مغلقة.
وقد يبرر إدراك "بن قرينه" نفسه لضعف موقفه الانتخابي هو اتهامه لبعض الجهات المنظمة للانتخابات بالانحياز لمرشح واحد، داعيا الفريق أحمد قايد صالح للتدخل، وهو ما أثار غضب رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. أما المرشح الآخر، الذي قد يكون أقل حظا من السابقين، فهو عبدالعزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل، ويرجع ضعف فرصه إلى غياب تيار قوي واضح يدعمه، وهذا تؤكده لقاءاته ومؤتمراته الضيقة، بالإضافة إلى برنامجه الذي لم تشبك فيه مع أي من أطراف مرحلة ما بعد بوتفليقة، سوى أنصار حزبه.
في النهاية، يمكن القول إنه رغم كل التحديات السابق ذكرها، وغيرها التي قد تعترض المسار الجاري في الجزائر، فالمؤكد منه أن الانتخابات الجزائرية ستجرى في موعدها المقرر في 12ديسمبر/كانون الأول الجاري، في ظل إصرار قيادة أركان الجيش على تمرير تلك الفترة الصعبة من عمر الجزائر.
لكن تبدو الخطورة في فترة ما بعد اختيار الرئيس، خاصة في ظل شرعنة الحراك المظاهرات، واستمرارها إلى ما بعد انتخاب الرئيس، وهو ما قد يكون ذلك وفقا لما أكده مقربون للمشهد الجزائري بداية أزمة سياسية وليست حلا لها، كما أن ذلك سيتسبب في أن يجد الرئيس القادم نفسه في وضع يشبه إلى حد كبير وضع رئيس الدولة المؤقت، المحاط بضغوط مستمرة تعيق قدرته في التعامل مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية العالقة.