السوداني: الاحتلال يسعى لسلب هوية القدس بترويج الأكاذيب
محاولات لا تتوقف لتزوير التاريخ والهوية الفلسطينية من خلال إسقاط روايات تواترية مزيفة منذ عشرات السنين وفق مسؤول فلسطيني.
منذ أن أعلن الكيان الصهيوني عن ظهور دولته في 48، على حساب الأراضي الفلسطينية المغتصبة، لم تتوقف أيضًا محاولاته، قبلها بعشرات السنين، لتزوير التاريخ واختطاف الذاكرة، بمحو كل ما له علاقة بالجذور والأصول العربية والإسلامية والمسيحية في فلسطين، ولم تتوقف أيضًا مساعيها لـ"اختلاق إسرائيل القديمة" (بحسب أطروحة ويت كايتلام الشهيرة) بإضفاء الطوابع التوراتية على المباني والآثار الفلسطينية بغرض محو أصلها العربي (الإسلامي أو المسيحي) وترويج أكاذيبها الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة.
بوابة «العين» الإخبارية التقت مراد السوداني، أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم، في مقابلة خاصة، حول خطورة سعي إسرائيل لـ"بناء رواية تاريخية قائمة على خرافة وأساطير توراتية" لشرعنة وتسويق وجودها الاستيطاني الإحلالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة خاصة مدينة القدس، على حساب الهوية العربية الإسلامية المسيحية، خاصة مع ما قامت به وزارة السياحة الإسرائيلية، مؤخرًا، من إصدار خارطة تخفي المواقع الإسلامية والمسيحية الشهيرة ووزعتها على السياح الذين يصلون إلى القدس.
السوداني قال: "هم يسعون لبناء رواية تاريخية قائمة على خرافة وأساطير توراتية، فيستبدلون الأماكن بأسماء مفبركة كاذبة"، مشيرًا بذلك إلى السياسة الإسرائيلية القائمة على "عبرنة" الأسماء والمناطق العربية في القدس المحتلة. وأضاف السوداني، تعليقًا على إصدار هذه الخارطة "ليس جديدًا على الاحتلال الإسرائيلي الذي يسير في هذا الطريق منذ ما قبل مجيئه لفلسطين؛ فحمل معه الخرائط والأسماء التوراتية، وفور هدم 150 قرية وبلدة بين عامي 47-48 استبدل الأسماء العربية بأسماء توارتية، وأسقط الرواية التوراتية على المكان في محاولة للاستيلاء على الرواية الفلسطينية".
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الصادرة الإثنين الماضي، قد كشفت أن الخريطة المكتوبة باللغة الإنجليزية، تشمل قائمة بأسماء 57 موقعًا للزيارة في البلدة القديمة من القدس المحتلة، موضحة أنه إلى جانب كنيسة القيامة، يظهر حائط البراق تحت مسمى "حائط المبكى"، والمسجد الأقصى تحت اسم "جبل الهيكل"، بينما تظهر فيها أماكن يهودية مثل بيت فايطنبرغ، وبيت الياهو، وبيت الجيش، وبيت دانون، وبيت حبرون، وبيت رعوت، وبيت غوري، وبيت حباد وغيرها، وكلها بيوت استولى عليها المستوطنون اليهود، بواسطة جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية، في الحي الإسلامي. ولا تشمل الخارطة أي ذكر للمسجد الأقصى أو أي موقع إسلامي آخر، باستثناء قبة الصخرة.
السوداني توقف عند الحفريات الإسرائيلية التي تستهدف "مقبرة مأمن الله" في مدينة القدس، مؤكدًا أن المقبرة واحدة من المعالم الأثرية التاريخية والوقفية الإسلامية التي شملتها يد الغدر الإسرائيلي. وقال: "هذه المقبرة التي تُعد من أقدم وأكبر المقابر الإسلامية في فلسطين والعالم تُقدّر مساحتها بـ200 دونم، تضم رفات الصحابة والمجاهدين والعلماء والصالحين منذ بداية الفتح العمري وحتى عام 1948. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية تنفذ سلطات الاحتلال عمليات الحفر الاحتلالية المستمرة في المقبرة التاريخية لبناء ما يسمى بـ"مركز الكرامة الإنساني" أو متحف "التسامح" على ما تبقى من أرض المقبرة.
ويدق السوداني ناقوس الخطر حول مرامي الإجراءات الإسرائيلية قائلًا: "هم يسعون الآن لسلب القدس وهويتها الدينية والتاريخية والثقافية، عبر ما يقومون به من حفريات للأنفاق تحت الأقصى والمقدسات في إطار محو الذاكرة الفلسطينية، وفي سبيل ذلك استباحوا المقابر والآثار والمعالم الاسلامية والمسيحية، ويقيمون بدلًا منها متاحف يهودية باسم متاحف "التسامح"، مشددًا على أن "من يستبيح حرمة الموتى والشهداء والمقابر لا يوجد في قلبه ذرة من التسامح والأخلاق والإنسانية والدين".
وقال أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية "هم (سلطات الاحتلال) الآن يحاولون منذ سنتين دون وصول بعثة اليونسكو لفحص الأنفاق تحت الأقصى، ويعملون ليل نهار على تغيير وجه المدينة العربي الإسلامية بتغيير المناهج الدراسية (لفلسطيني شرقي القدس) للإطباق على ذاكرة ووعي المدينة لكن أنّى لهم تحقيق ذلك". ويشير المسؤول الفلسطيني إلى أن الإسرائيليين "أتوا من أجل تقديم رواية عن المكان والإنسان لكن ذاكرة شعبنا وصموده على أرضه وتاريخه ضارب الجذور ووعيه قادر على مواجهة الرواية المزيفة التي يحاول الاحتلال تمريرها وتجذيرها في الأرض الفلسطينية".
وأضاف السوداني (وهو أيضا شاعر فلسطيني مزج بين الأدب والصحافة)، "هم (الاحتلال) يحاولوا فبركة الرواية بتقديمها عبر امبراطورية الإعلام من أجل اقناع العالم بها لكنها تسقط في اللحظة.. هم يستهدفون الآثار والأرض وشجرة الزيتون والجبال والحجر والأكلات الفلسطينية والثوب الفلسطيني والتراث، يستهدفون كل ما من شأنه أن يعطي الحقيقة لفلسطين، لذلك المنازلة الثقافية والحضارية قوية وسينتصر فيها الحق الفلسطيني".
وأكد أن الاحتلال يستهدف كل ما من شأنه أن يثبت حق الشعب الفلسطيني في أرضه "لأنهم يريدون خلق الرواية البديلة، باستبدال وعي المكان بوعي مزيف ومفبرك" لافتًا إلى أنه "منذ 120 عامًا وشعبنا يتعرض لذات أداوت الإبادة والتدمير والقتل والمحو لكنه لا يزال يحافظ على موروثه لكي يواصل طريقه في الدفاع عن حقه، ومواصلة بناء الوراية الفلسطينية". وشدد على أن فوز المعلمة حنان حرب مؤخرًا بجائزة أفضل معلمة في العالم، وغيرها الآلاف من الفلسطينيين المبدعين "دليل على أن شعبنا لا يرضى باشتراطات الاحتلال".
ولم يخفِ المسؤول الفلسطيني إحباطه من المجتمع الدولي، فاتهم قطاعات واسعة منه بـ"النفاق"، وقال: "عين العدالة مفقوءة؛ فقرارات مجلس الأمن نراها تنفذ فورًا ضد الدول العربية، أما كل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤكدة لحق شعبنا في التحرر وتحقيق المصير يضرب بها عرض الحائط".
وبحسب معطيات فلسطينية، هناك ما لا يقل عن 38 قرارًا اتخذها مجلس الأمن تدين إجراءات واعتداءات إسرائيلية لم تجد طريقًا للتنفيذ بفعل الحماية التي تتمتع بها إسرائيل من الدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. واختتم السوداني: "على العالم أن يستيقظ مرة أخرى للدفاع عن الإنسان الفلسطيني والموتى والشجر والحجر، وعلى العالم والعرب أن يعودوا لإنصاف الشعب الفلسطيني".
aXA6IDMuMTQ3LjYyLjUg جزيرة ام اند امز