لقد جئنا هربًا من هؤلاء الإرهابيين في بلادنا، لكنهم يُلاحقوننا
حكاية بسيطة سمعتها من شابة عربية في منطقة واشنطن، وهي تقول كمن تحدث نفسها: لقد جئنا هربًا من هؤلاء الإرهابيين في بلادنا، لكنهم يلاحقوننا ويفسدون علينا حياتنا هنا.
كان أول لقاء لهما .. وفورًا (الصنارة غمزت)، ونسيا كل الأصدقاء المحيطين، واندمجا في حوار خاص. كان من الواضح أن اللقاء له ما يليه، إلى أن سأل الشاب صديقته الجديدة في أمر ديني، فكانت المفاجأة (الصدمة) التي سقطت على رأسه ولم يجد ما يفعله بشأنها.
لقد اكتشف أن الفتاة التي يعتقد أنه أحبها من أول نظرة "مسلمة" .. خيَّم الصمت والوجوم على الشاب الذي لا يعرف الصمت، بينما هي تنظر إليه بدهشة وتنتظر منه أية كلمة.
وعندما نطق جاءت كلماته تعكس نظرته السلبية تجاه الإسلام والمسلمين بسبب ما يسمعه عنهم ويشاهده أحيانًا على شاشات التليفزيون .. لم يكن هناك مجال للحوار في الأمر بعد أن تكرست لديه قناعات لم يعد من السهل تغييرها، وغادر كل منهما بدون عودة.
حكاية بسيطة سمعتها من شابة عربية في منطقة واشنطن، وهي تقول كمن تحدث نفسها: لقد جئنا هربًا من هؤلاء الإرهابيين في بلادنا، لكنهم يلاحقوننا ويفسدون علينا حياتنا هنا.
لكن هذه الحكاية ليست فردية؛ فابنتي ذات الاثني عشر عامًا سمعت زميلها في الفصل يقول: إنه يخاف من المسلمين، واندهش عندما قالت له: إنها مسلمة، وضحك بقية الأطفال على سذاجته، لكن لا أحد يضمن كيف سيفكر هؤلاء الأطفال لاحقًا؟ وهل سيضحكون؟ فهم يعيشون هذه الصورة النمطية السلبية بشكل يومي عن المسلمين؛ بسبب تكرار الأعمال الإرهابية في مناطق عديدة من العالم، حتى إنني أفكر أحيانًا أنه لو كانت هذه المجموعات الإرهابية مستأجرة بهدف تشويه الإسلام والمسلمين ما فعلت أكثر مما تقوم به حاليًّا.
ومع هذا فأنا لست من أنصار نظرة المؤامرة هنا؛ فهم نتاج ثقافة ومفاهيم وتفسيرات خاطئة للدين، ونظرة مشوشة تجاه العالم وما فيه من أفكار ومستجدات، وبالتالي فالقضية ليست القاعدة أو داعش كتنظيم يُمكن أن يختفي أو يتراجع، فحتى لو اختفى داعش أو هُزِم عسكريًّا، وهو ما سيحدث حتمًا، فسوف يعود في صورة تنظيم جديد أو تحت اسم مختلف طالما استمرت الأسباب التي دعت لوجوده من الأساس.
المشكلة أننا لا نريد أن نبحث هذه الأسباب بأمانة وصراحة مع النفس؛ لأن هذا سيدعونا للنظر في المرآة بشكل حقيقي بما يعني مواجهة عيوبنا، لذلك نستسهل ترديد عبارات من نوع: أمريكا هي التي صنعت داعش، أو أوروبا راعية الفكر المتطرف.
هذا الكلام يريحنا كثيرًا ويلقي عن كاهلنا الإحساس بالمسؤولية عمَّا حدث ويحدث، وبالتالي لا يعود مطلوبًا منا عمل شيء، ويذهب كل منا إلى سريره هادئ البال بعد أن لعن الإرهابيين وصانعيهم.
لكننا لا نملك الآن رفاهية التحليل البارد للقضية، فهي تمسنا بشكل مباشر، وأصبحت تهدد كيانات العرب والمسلمين في الداخل والخارج.
نحن نتحدث بالفعل عن قضية وجودية يمكن لمن يعيش في الخارج أن يحس بها بشكل أكبر.
لقد أصبح الفكر الليبرالي المتسامح يُعبِّر عن نفسه باستحياء شديد في مواجهة هجمات عاتية من اليمين المتطرف، لم تعد تقف عند حدود ما هو متعارف عليه في الحديث السياسي، كما نرى الآن من بعض المرشحين الجمهوريين للرئاسة مثل دونالد ترامب وبن كارسون.
هنا لا يمكن الصمت تجاه أي تشويه متعمد من قِبَل هؤلاء، لكن علينا أن نعترف أن ضربات قوية ومتلاحقة وُجِّهَت ضد صورة العرب والمسلمين في السنوات الأخيرة، وأصبح هناك شعور بالقلق ينتاب كثيرًا من أبناء الجالية الإسلامية في أمريكا، حتى إنه كلما وقع أي عمل إرهابي أو حتى جريمة عادية، يحبسون أنفاسهم توجسًا وهم يدعون بألا يكون مرتكبها مسلمًا.
هذا القلق رأيته يتسرَّب لأول مرة إلى أحد قادة الجالية المسلمة في واشنطن، كنت دائمًا أحسده على ما لديه من إحساس بالتفاؤل والثقة، لكني وجدته مؤخرًا شديد الانزعاج من تزايد النبرة العدائية للمسلمين في مجتمع عرف دائمًا بتسامحه وقبوله الآخر.
الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، ولابد من مواجهة المشكلة.
لكني أجد أن مواجهة حديث الكراهية لدى السياسيين أو المسؤولين هي الأكثر سهولة؛ فالأخطر هو ما يحدث من تكريس لتلك الصور السلبية، ولا يمكن الاكتفاء في مواجهة ذلك بإلقاء البيانات، بل نحتاج تخطيطًا جديًّا لنشر صورة أكثر إيجابية، وهو أمر يمكن الحديث فيه لاحقًا، لكن البداية يجب أن تكون في الاعتراف بأخطائنا ومشاكلنا.
لقد ظهر داعش بيننا ويعيش بين أحضاننا، يأكل ويشرب ويترعرع، بينما نحن نلعن كل المسؤولين عنه إلا أنفسنا.
لقد حان وقت النظر في المرآة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة