على مدى عقود ثلاثة، كانت منطقتنا العربية بيئة خصبة لمشاريع من قبيل «حدود الدم» و «الشرق الأوسط الجديد» و «الفوضى الخلاقة»
على مدى عقود ثلاثة كانت منطقتنا العربية بيئة خصبة لمشاريع من قبيل "حدود الدم" و"الشرق الأوسط الجديد" و"الفوضى الخلاقة"، فاستُنزفنا ماديًّا وبشريًّا في صراعات وحروب لا تتوقف إلا لتبدأ، وفي مواجهة تطرف وغلوّ "مسلح" حملته إلينا جماعات مهووسة بالقتل والدم والعنف الذي تحسبه مقدسًا، وهي تتكاثر كل يوم فلا نحصي لها عددًّا.
وأصبحنا أحوج ما نكون إلى الإرادة والتصميم، والانطلاق بأفعال تؤتي أكلها، لعلها تسهم في وقف النزيف الذي تتعرض له المنطقة في الموارد والطاقات، وتبعث في نفس كل عربي قدرًا من الثقة بالنفس، وتؤسس لمخرج من كل سيناريوهات الصراع والخوف وعدم اليقين التي يتسابق محللون من كل حدب وصوب إلى حصارنا بها كل يوم.
وسط أجواء اليأس هذه، برزت القدرة العربية على الفعل من خلال تحرك كان حتميًّا لـ"التحالف العربي" الذي تقوده المملكة العربية السعودية وتشارك فيه دولة الإمارات بفاعلية وإرادة وتصميم إلى جانب دول عربية أخرى، هو تحالف يجب أن نتأمل أبعاده، وأن لا ننظر إليه من زاوية ما يقوم به من إعادة الاستقرار إلى اليمن الشقيق فحسب؛ لأن في ذلك ابتسارًا للرؤية وللمعاني والدلالات والآفاق والأبعاد التي ينطوي عليها.
إن الفراغ الذي حصل في الساحة العربية نتيجة تراجع دور دول عربية محورية أنهكتها مشكلاتها الداخلية، كان لا بد أن تملأه قوى ودول فاعلة، لا سيما في ظل تربص قوى إقليمية وأطراف ما دون الدولة التي تتكاثر في المنطقة، فضلًا عن ضبابية مواقف الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والاضطراب والتردد في سلوكها إزاء ما يحدث في المنطقة. إن كل ما سبق جعل "التحالف العربي" هو المشروع العربي الوحيد القادر على دحر خطط التدخل الخارجي والخرائط المرسومة بأيدٍ لا تراعي المصالح العربية.
ولا شك في أن لفاعلية الدور السعودي والإماراتي في هذا التحالف صدقية وثقلًا كبيرين، بفضل ما تمتلكه الدولتان من شبكة علاقات دولية وثقة عالمية بهما، وكذلك ما تتمتعان به من قدرة على تغيير المعادلات بدت في تحركهما السريع سياسيًّا وعسكريًّا، وقدرتهما على الانتقال من موقع الترقب ورد الفعل إلى المبادرة والمبادأة وكتابة معادلات التوازن في المنطقة بأيدٍ عربية صرفة، في وجه محاولات قوى إقليمية ودولية كتابة هذه المعادلات لمصالحها هي.
كما أن الدولتين تمتلكان أكبر الاقتصادات العربية، والقوات المسلحة في كل منهما تمتلك أحدث منظومات الأسلحة، ويتمتع أفرادها بتدريب عالٍ أكدته حرب اليمن، كما أن الالتفاف حول القيادة في البلدين في أعلى مستوياته.
وأخيرًا فإن هناك اعترافًا في العالم العربي والعالم بأسره بصدارة البلدين في المنطقة، ويقدم البلدان للعالم تجربة تنموية باهرة تعكس نموذجًا للنجاح يتجلى في تصدر المؤشرات العالمية، ومنافسة أكثر دول العالم تقدمًا في مجالات مثل التعليم والبحث العلمي والرعاية الصحية، وصناعات التقنية العالية والطاقة المتجددة والتنافسية والمؤسسية وبناء اقتصاد المعرفة وتطوير الأداء الحكومي. فضلًا عما تتمتع به الإمارات من انفتاح على الثقافات الأخرى، وقدرة على خلق حال فريدة من التعايش بين من يعيشون على أرضها باختلاف جنسياتهم وعقائدهم الدينية والفكرية، وتطرح نموذج الدولة القابل للحياة والاستمرار في القرن الـ21. والحقائق السابقة لها دلالات جمّة، أهمها أن العرب لهم يد تضرب وتردع المعتدي، ويد أخرى تبني وتعمر الأوطان، وأن العرب قادرون على الوقوف بقوة في وجه المشاريع التوسعية لإيران، وفي وجه إرهاب الجماعات الأصولية على اختلاف مشاربها وداعميها، والانتصار عليها في ساحة الحرب الخشنة وفي معركة التنمية وإعادة البناء المرتقبة، ومن هنا تنبع أهمية التكامل بين الدولتين الرئيستين في هذا التحالف.
وإذا كان اليمن -وقبله البحرين- هو الذي شهد فاعلية هذا التحالف، فلا شك في أن الشعوب العربية تعوّل عليه في تحقيق إنجازات في ملفات كثيرة، في مقدمتها الإسهام في عودة الأمن والاستقرار إلى الدول العربية التي أصابتها رياح "الفوضى الخلاقة"، والتخلص من القوى الإرهابية والظلامية، والتصدي لمخططات بعض الدول الإقليمية وأذنابها، وإيصال رسالة إلى القوى العظمى والدول الكبرى بأنه من حقنا أن تكون لنا إرادتنا المستقلة، وأن صداقتنا معهم لن تكون على حساب مصالحنا وأمننا القومي.
دروب "التحالف العربي" لن تكون سهلة أو مفروشة بالورود، وقادته الذين يتحركون عن بصيرة وفهم للواقع يدركون ذلك، وشعوبهم التي تقدم التضحيات لا يغيب عنها ذلك، لكن حسن استخدام الموارد القائمة، وهي ليست قليلة، مصحوبًا بالعزم والحزم والتحرك بشجاعة وبحكمة في آن واحد، سيذلل الصعاب، ويقلّم أشواك الطريق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة