سيظل ترامب يفرض نفسه علي الساحة السياسية بكل ما يعنيه ذلك من استمرار الديماجوجية التي تصل أحيانًا إلي العنصرية الصريحة في خطاباته
هذه النوعية من الجمهور يتم توجيهها بشكل آلي لتبني مفاهيم محددة تتعارض أحيانًا حتي مع مصالحهم، وهو ما يفسر المواقف التي تبدو غريبة، مثل حق حمل أسلحة نارية من نوعيات خطيرة للغاية تهدد الجميع ، ولا تميز بين ضحاياها حسب توجهاتهم السياسية.
هذا لا يعني أن الجميع منساقون كالقطعان، لكن هناك بالتأكيد كتلة تتحرك بهذا الشكل وراء ما يستمعون إليه ليل نهار في وسائل الإعلام المحافظة، مثل فوكس نيوز أو برامج راديو معينة أو بعض المواقع الإلكترونية.
ربما يفسر ذلك الظاهرة الغريبة هذا العام في انتخابات الأحزاب التمهيدية للرئاسة، حيث يشير آخر استطلاع للرأي العام بين الجمهوريين إلي ازدياد تقدم رجل الأعمال الشهير دونالد ترامب، حيث وصلت نسبة تأييده إلي اثنين وثلاثين في المائة بفارق عشر نقاط عن أقرب منافسيه جراح المخ المتقاعد جون كارسون، بقية المتنافسين يقبعون في الخلف بنسب قليلة، وهم بالترتيب السناتور ماركو روبيو، والسناتور توم كروز ، وحاكم فلوريدا السابق جيب بوش شقيق الرئيس السابق جورج بوش.
الملاحظة الهامة هنا أن المرشحيْن المتقدميْن ليس لأي منهما خبرة سياسية سابقة، بما يعكس الغضب العارم في أوساط المحافظين ضد السياسيين عمومًا، وضد مؤسسة الحزب في واشنطن علي وجه التحديد، لذلك فشلت محاولات تلك المؤسسة لدعم مرشحها المفضل جيب بوش، وهناك محاولات الآن مع روبيو لكنها لم تحقق المطلوب منها لأسباب منها تعدد المرشحين، وعدم وجود حملة منظمة ضد ترامب توضح الآثار السلبية لترشيحه، ومن خلال وسائل الإعلام التي يثق فيها المحافظون، فحقيقة الأمر أن أغلب هؤلاء لا يثقون فيما يوصف بوسائل الإعلام الرئيسية المتهمة لديهم بالتحيز لليبراليين؛ لذلك فكل ما ظهر حتي الآن ضد ترامب وكارسون ويكشف ما لديهما من نقاط ضعف، يفسر علي الأغلب بأنه مؤامرة ليبرالية ضدهما حتي لو تم ضبط أي منهما في حالة كذب صريح.
لا أستطيع حتي الآن أن أجزم بأن ترامب سيفوز بترشيح الحزب رغم استمرار تقدمه، واعتقادي أن حملته ستنهار لو اختفي العدد الكبير من المرشحين بما يوحد القوي المعارضة له، لكن إلي أن يحدث ذلك سيظل ترامب يفرض نفسه علي الساحة السياسية بكل ما يعنيه ذلك من استمرار الديماجوجية التي تصل أحيانًا إلي العنصرية الصريحة في خطاباته، وتمثلت مؤخرًا في الزعم بأن آلاف المسلمين احتفلوا في ولاية نيوجيرزي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهو ما تأكد كذبه في المراجعات التي تمت، لكن ترامب يصر علي ادعائه الكاذب، لماذا؟ لأنه لا يدفع الثمن، لقد قفز منذ البداية إلي مقدمة السباق بسبب حملته العنيفة ضد المهاجرين غير الشرعيين خاصة من أمريكا اللاتينية، ثم ازداد تقدمه بحملته الآن ضد المسلمين عمومًا وليس الإرهابيين فقط، وهو ما قد يصل بنا إلي نتيجة مؤسفة، وهي أن تقدمه لم يحدث رغم عنصرية خطابه، ولكن نتيجة هذه العنصرية، وإذا ما انتهي الأمر لترشيحه فإنها ستكون إدانة إلي ما وصل إليه الحال داخل الحزب، وعندها يبقي خط الدفاع الأخير بأن يخسر أمام المرشحة الديمقراطية (علي الأغلب) هيلاري كلينتون، لكن ماذا لو وصل ترامب إلي البيت الأبيض؟ لا أريد مجرد التفكير في ذلك الآن، لكن ما أعرفه أن ساحة المتنافسين الجمهوريين صارت مزعجة للغاية باستثناء بعض الحالات الأكثر عقلانية مثل جيب بوش، ولكن يبدو أن عقلانيته تلك هي سبب تراجعه في حزب صار يحتفي بالعنصرية المغلَّفة بالديماجوجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة