توريث الزعامة السياسية.. آفة الطوائف اللبنانية
مراقبون يرون أن تسيير شخصيات لبنانية معينة لقيادة الأحزاب والتيارات السياسية، يرسخ نظرية توريث الزعامة السياسية.
يسخر مراقبون من "النموذج الديمقراطي" في لبنان، الذي يوصف بأنه بلد فسيفساء الطوائف والمذاهب بباريس الشرق، موضحين أن توريث الزعامة السياسية هو آفة الطوائف التي يحتكر كبارها المال والمناصب والمقاعد النيابية ورئاسة الوزراء والحقائب الأخرى.
ويرى المراقبون أن تسيير شخصيات لبنانية معينة لقيادة الأحزاب والتيارات السياسية، يرسخ نظرية التوريث منذ عشرات السنين.
في لبنان توجد 18 طائفة ومذهباً، وأكثر من 112 حزبا وتيارا سياسيا، فيما يتوارث الأبناء وأبناء العمومة الزعامة والمناصب من المقعد النيابي إلى الوزارة ورئاسة الوزراء ورئاسة الحزب وزعامة الطائفة.
دور شيعة لبنان في التوريث
نبيه بري، رئيس مجلس النواب رئيس حركة أمل، ورث مشروع الإمام المغيب موسى الصدر الذي اختفى خلال زيارة له في ليبيا عام 1979، حيث يتبنى بري قضية الصدر ويلاحق المشتبهين في كل مكان، الأمر الذي يكرس زعامة بري وسط الطائفة الشيعية، وإن كان بري لا يعد أحدا من أبنائه العشرة ليرثه في أي من مناصبه وإرثه السياسي.
أما حزب الله فقد انتقلت تركته من مؤسسه الشيخ صبحي الطفيلي إلى حسن نصر الله الذي تضخمت زعامته الشيعية بعد سيطرته على الحزب وحربه ضد إسرائيل في يوليو 2006، ثم مشاركته في الحرب داخل سوريا والعراق واليمن.
ويدور التوريث الشيعي في فلك حركة أمل، فيما يحرص بري على الإبقاء على تمثيل العائلات بالمجلس النيابي من آل الأسعد والزين وعسيران وجابر وبزي وغيرها.
عائلة آل الصلح
لا تقتصر الزعامة السياسية السنية على عائلة بعينها، فهناك أكثر من عائلة سنية تتوارث الزعامة من رئاسة الوزراء والوزارات وعضوية المجلس النيابي، سواء في صيدا أو بيوت أو طرابلس، ومنها عائلة آل الصلح.
بدأت عائلة آل الصلح زعامتها السياسية قبل استقلال لبنان، حيث تولى رضا الصلح 1860-1935عدة مناصب سياسية في سوريا أيام حكم الأمير فيصل وبعدها، وهو والد رياض الصلح.
ويعد رياض الصلح 1894-1951 من أهم الشخصيات السياسية في آل الصلح ولبنان عموما، ومن أشهر رجال الاستقلال وكتابة الميثاق، وتولى رئاسة أول حكومة بعد الاستقلال، وله دور كبير في الاستقلال عن سوريا.
وبالرغم من الزخم في الزعامة السياسية في عائلة الصلح على مدى أكثر من مائة عام، لم يبق من الإرث السياسي المتوارث إلا السيدة ليلى الصلح حمادة، وهي ابنة رئيس الوزراء الأسبق رياض الصلح، وأرملة الوزير ماجد حمادة ابن رئيس مجلس النواب الأسبق صبري حمادة، وهي وزيرة سابقة وحاليا رئيسة مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية، وهي خالة الوليد بن طلال.
الدروز وجنبلاط
آخر توريث للزعامة في لبنان جاء عقب تصريح زعيم الدروز رئيس جبهة اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط برغبته في ترك العمل السياسي ليحل محله نجله الأكبر تيمور سواء في زعامة الطائفة أو المقعد النيابي.
واليوم يريد وليد جنبلاط ترك الجمل بما حمل لنجله الأكبر تيمور بعدما أهله سياسيا لتولي الزعامة وقدمه في لقاءاته وسفرياته على أنه الزعيم الدرزي المستقبلي الذي سيحل مكان وليد بك كبير المختارة وثعلب السياسة اللبنانية، والذي يستطيع التحالف مع الشيطان من أجل مصلحة الطائفة، ليبدأ تيمور بك في مرافقة والده في كل تحركاته السياسية، ويجلس على كرسي وليد بك في المختارة وهو يستقبل أنصاره من دروز الشوف وجبل لبنان.
وعلى الجانب الآخر من الطائفة الدرزية تأتي عائلة أرسلان وتعني بالتركية والفارسية "الأسد"، ومنها الأديب والشاعر والقومي شكيب أرسلان، وتعود الزعامة السياسية في عائلة أرسلان إلى الأمير مجيد توفيق أرسلان أحد أبرز رجال الاستقلال اللبناني، ومؤسس الحزب الديمقراطي، وتولى عدة وزارات وكان نائبا ورئيس كتلة نيابية كبيرة، وهو مؤسس الجيش بعد الاستقلال حيث كان وقتها وزير الدفاع خلال حكم الرئيس فؤاد شهاب، وتوفي عام 1983، ليرث ابنه الأمير طلال أرسلان الزعامة في رئاسة حزب والده والمقعد النيابي أيضا، منافسا لوليد جنبلاط في محاولة السيطرة على الطائفة الدرزية.
والآن يعد الأمير طلال أرسلان نجله مجيد طلال مجيد أرسلان ليتولى الزعامة وهو متخصص في العلوم السياسية والاقتصاد.
آل فرنجية
تعود زعامة آل فرنجية إلى رئيس الجمهورية الأسبق سليمان فرنجية سليمان فرنجية 1910 - 1992، رئيس الجمهورية اللبنانية من 1970 إلى 1976،انتخب سنة 1960 عضوا في المجلس النيابي خلفا لأخيه حميد، وأعيد انتخابه عدة مرات، كما شهد عهده بداية الحرب الأهلية.
وحاليا فإن رئيس تيار المردة النائب سليمان طوني سليمان فرنجية مرشح لرئاسة الجمهورية وحظه أوفر في الوصول للمنصب، ومع ذلك يعد ابنه طوني سليمان طوني سليمان فرنجية ليحل نائبا في البرلمان ويشق طريقه السياسي مدعوما بإرث سياسي كبير من الجد الأكبر سليمان فرنجية.
آل الجميّل:
كان آل الجميل من الإقطاعيين قبل احتلال العثمانيين لبنان، ثم أيدوا إبراهيم باشا ابن محمد على خلال حكمه للشام ضد الدولة العثمانية، وقد بدأت الزعامة السياسية بينهم مع تأسيس حزب الكتائب 1936، وكان يرأسه بيار الجميل 1905-1984، والد أمين الجميل.
ورث أمين الجميل حزب الكتائب عن والده الراحل بيار الجميل عام 1986، كما سعى إلى توريث نجله بيار العمل السياسي، فدفع به لشغل مقعده النيابي، ثم أصبح بيار وزيراً قبل أن توقف عملية اغتياله مساره السياسي، ليأخذه عنه شقيقه الأصغر سامي، الذي يشغل الآن مقعداً نيابياً، وورث كذلك رئاسة حزب الكتائب عن والده عام 2015.
أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فهو وزوجته النائب ستريدا جعجع بدون أبناء.
آل كرامي:
تعود الزعامة السياسية في عائلة كرامي إلى عبد الحميد كرامي، الذي ولد في طرابلس عام 1887، في بيت الزعامة الإسلامية والفتوى، وهو والد رئيسي الوزراء رشيد وعمر كرامي، وأحد زعماء استقلال لبنان، وانتخب نائبا في البرلمان بعد الاستقلال، وكلف بتشكيل الحكومة الثالثة بعد الاستقلال.
رشيد كرامي1921-1987، ورث الزعامة السياسية بعد وفاة والده عبدالحميد كرامي، وتولى رئاسة الوزراء ثماني مرات، أولها عام 1955، وآخرها عام 1987 حيث فقد حياته بتفجير الطائرة التي كانت تقله من طرابلس متوجها إلى بيروت لرئاسة جلسة مجلس الوزراء خلال الحرب الأهلية.
عمر كرامي 1934- 2015، ورث الزعامة بعد اغتيال شقيقه رئيس الوزراء رشيد كرامي، وتولى رئاسة الوزراء مرتين في 1999 و2004.
آل سلام:
سليم سلام 1868-1938، كان نائباً في "مجلس المبعوثان" العثماني، ونائباً في الحكومة العربية التي أعلنها الأمير فيصل بن الحسين بعد انتصاره على العثمانيين ودخول دمشق 1918، وكان سليم سلام أتمر السوري العام في دمشق سنة 1919 ممثلا عن بيروت، وترأس مؤتمرات الساحل والأقضية اللبنية سنة 1936، ثم رئيسا للمجلس القومي الإسلامي حتى وفاته 1938.
تمام سلام 1945- وهو ابن صائب سلام، ووريثه السياسي، خلّف والده سنة 1983 ولغاية سنة 2000 على رأس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية وهو الآن رئيسها الفخري، كما أسس وترأس جمعية كشافة المقاصد الإسلامية والدفاع المدني المقاصدي، وهو نائب بالبرلمان منذ 1996، وتولى وزارة الثقافة في 2008، ثم كلف برئاسة الحكومة، بعد استقالة نجيب ميقاتي من رئاسة الحكومة، حيث التوافق على اسمه من قبل تحالف 14 آذار وجبهة النضال الوطني ممثلة بالنائب وليد جنبلاط كي يكون رئيساً للحكومة.
آل الحريري:
قبل ظهور رفيق الحريري لم يكن لآل الحريري إرث سياسي، حيث كان رفيق بهاء الدين الحريري 1944 - 2005، ابنا لمزارع بسيط من صيدا جنوب لبنان، وأنهى تعليمه الثانوي 1964 والتحق بجامعة بيروت العربية ليدرس المحاسبة، وكان عضوًا نشطا في حركة القوميين العرب والتي تصدرتها آنذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي عام 1965 قطع دراسته بسبب ارتفاع النفقات المالية وهاجر إلى السعودية، ليعمل مدرسًا للرياضيات في مدرسة السعودية الابتدائية في جدة، ثم محاسبًا في شركة هندسية، ثم أنشأ شركته الخاصة في مجال المقاولات عام 1969.
توسعت أعماله في مجال البنوك والشركات في لبنان والسعودية، وحظي باحترام وثقة الأسرة السعودية الحاكمة وتم منحه الجنسية السعودية عام 1978.
قام بالعديد من الأعمال الخيرية، وكان أشهرها تقديم منح طلابية للدراسات الجامعية لأكثر من 36000 شاب وشابة من كل الطوائف على مدى 20 عامًا، إضافة إلى تقديم المساعدات لضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان ومساعدة دور الأيتام والعجزة وإنقاذ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية من الديون.
تولى رئاسة الحكومة عام 1992-1998، وخلال أيام من تولية رئاسة الوزارة ارتفعت قيمة العملة اللبنانية بنسبة 15%، ولتحسين الاقتصاد قام بتخفيض الضرائب على الدخل إلى 10% فقط.
وورث سعد الحريري إرث والده السياسي والمالي، بالرغم من أنه ليس الابن الأكبر لرفيق الحريري، وبالرغم من أن سعد لا يحمل مؤهلات والده في الزعامة السياسية والخطابة، إلا انه استطاع ان ينقل الثقل السني من بيوت عريقة وزعامات سنية على مدى عقود إلى آل الحريري نظرا للتعاطف السني الذي حظي به آل الحريري بعد اغتيال كبير العائلة، فرأس الشاب غير المحنك سياسيا سعد الحريري رئاسة الوزراء، ثم يفقد المنصب بسقوط الزارة عام 2010 بعد انسحاب وزراء حزب الله ووليد جنبلاط .
كما يرأس سعد الحريري تيار المستقبل الحليف والمكون الأساسي في فريق 14 آذار، أما شقيقه الأكبر بهاء الحريري فهو رجل أعمال ناجح ولا يعمل بالسياسة.