أطفال المهاجرين .. فريسة سهلة لعصابات "العبودية" بأوروبا
الأطفال المهاجرون يدفعون ثمن فشل سياسات الاتحاد الأوروبي بشأن اللجوء، إذ فُقد أكثر من 10 آلاف منهم، وسط مخاوف من سقوطهم فريسة للعصابات
يومًا بعد يوم، يقف مئات الآلاف من المهاجرين على أعتاب دول الاتحاد الأوروبي طالبين اللجوء، هربًا من ويلات الحرب والأزمات الاقتصادية والسياسية التي تداهم بلادهم.
وبينما يواجه اللاجئون تعقيدات كثيرة تعيق حلمهم في الاحتماء بمكان آمن، يبدو أن الأزمة تنطوي على جانب أكثر خطورة، هو اختفاء أثر آلاف الأطفال المهاجرين الذين يصلون القارة العجوز دون ذويهم، ما يثير مخاوف كبيرة من وقوعهم فريسة سهلة لعصابات تمارس أنشطة "الاستعباد" للأطفال باستغلالهم في التهريب والجنس والجريمة المنظمة.
فمع إغلاق بعض الحدود الأوروبية، وعدم وجود استراتيجية فعالة للتعامل مع موجات اللاجئين من سوريا وأفغانستان وأماكن أخرى مضطربة، غالبًا ما يدخل العديد من الأطفال القصّر المهاجرين دون ذويهم في عداد المفقودين، ما يجعلهم فريسة سهلة للمهربين وتجار المخدرات.
ومن الناحية النظرية، يفرض الاتحاد الأوروبي قواعد صارمة ومُلزمة للدول الأعضاء فيما يخص التعامل مع طالبي اللجوء، لاسيما الأطفال الذين يصلون دون عوائلهم، ولكن عمليًا، يبقى النظام الأوروبي معيبًا بشكل خطير، بسبب فشل الدول الأعضاء في تبادل المعلومات بشأن اللاجئين، وعدم اتفاق مؤسسات الاتحاد الأوروبي على كيفية تحديث قوانين اللجوء، كما أن النظم المحلية تختلف فيما بينها حول كيفية التعامل مع حالات الأطفال المهاجرين.
وكان جهاز الشرطة الأوروبية (يوروبول) أطلق تحذيرًا في يناير/ كانون الثاني الماضي، قال فيه إن أكثر من 10 آلاف طفل اختفوا بعد وصولهم إلى أوروبا دون ذويهم. ويقال إن العديد من هؤلاء الأطفال وقعوا في أيدي عصابات تستغلهم في أعمال بمواقع البناء وفي حقول المزارعين.
ومن ناحيتها، أعربت المفوضة الأوروبية للعدل، فيرا جوروفا، عن قلقها من تقديرات "يوروبول"، وقالت لمجلة "بوليتيكو" البلجيكية، إن "الأطفال الذين يسافرون بمفردهم معرضون بشكل كبير للوقوع في أيدي العصابات الإجرامية الخاصة بالاتجار بالبشر، أو الاستغلال الجنسي أو العبودية"، موضحة أن "هذا الوضع ينتهك الحقوق الأوروبية الأساسية وحقوق الطفل".
وعلى الرغم من كون عدد العشرة آلاف طفل صادمًا، فإن العديد من الحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية ومصادر من "الإنتربول" الدولي، تؤكد أن الوضع في الحقيقة أسوأ من ذلك بكثير، إذ يقول مايكل موران مساعد مدير "الإنتربول" لخدمات تجارة البشر واستغلال الأطفال، إن "الوضع خطير، وعدد الأطفال المفقودين هو على الأرجح أعلى من ذلك بكثير، والمشكلة بحاجة إلى التعامل معها بعناية شديدة، إذا كنا مهتمين فعلًا بسلامة هؤلاء الأطفال".
ومن بين المشكلات الرئيسية التي تعوق تعامل الاتحاد الأوروبي مع حالات اللجوء المختلفة بالشكل الأمثل، اختلاف الدول الأعضاء في الاتحاد وأعضاء البرلمان الأوروبي بشأن خطط إصلاح نظام "دبلن"، وهو قانون الاتحاد الأوروبي الذي يحدد الدولة العضو المسؤولة عن دراسة طلب اللجوء.. حيث لا يحظي هذا النظام بشعبية في الدول التي تقع بشكل مباشر على خط المواجهة مع أزمة الهجرة، مثل اليونان وإيطاليا.
وعلى الرغم من عدم وجود توافق تشريعي، يبدو أن التغيير آتٍ. فوفقًا لحكم لمحكمة العدل الأوروبية، تكون البلدان المتواجد فيها الأطفال القصر بعد تقديمهم طلب اللجوء، هي المسؤولة عن التعامل مع الطلب، وذلك ابتداءً من الشهر المقبل.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 35% من المهاجرين الذين دخلوا الاتحاد الأوروبي عام 2016 هم من الأطفال، والكثير منهم سافروا بمفردهم.
وأفادت "بوليتيكو" بأنه في 2015، قدم نحو 88265 طفلًا منفردًا طلبات للحصول على حق اللجوء لدى الاتحاد الأوروبي، بزيادة قدرها 3 أمثال الطلبات المقدمة في 2014. وجاء أكثر من نصف الطلبات من أفغانستان، بينما بلغت الطلبات من سوريا 13%.
وتعكس الخلافات بشأن التعامل مع طلبات اللجوء على مستوى الاتحاد الأوروبي، مشاكل أخرى في البرلمانات الوطنية داخل الدول الأعضاء بالاتحاد. ففي إيطاليا، قالت ساندرا زامبا، من الحزب الديمقراطي الحاكم، لـ"بوليتيكو"، إنها قدمت اقتراحًا بقانون لإدارة شؤون القصر غير المرافقين لذويهم في 2013، ولكنه مازال ينتظر الموافقة من قبل لجنة الميزانية في البرلمان منذ ذلك الحين.
وفي السويد، لا توجد سلطة بعينها مسؤولة عن رعاية الأطفال المهاجرين، فمكتب الهجرة مسؤول فقط عن الطفل عندما يصل إلى الحدود، وليس بعد ذلك. ولا يهتم الأخصائيون الاجتماعيون بالطفل إلا إذا ورد لدار الرعاية الخاصة بهم، ونادرًا ما تبذل الشرطة جهودًا للعثور على الأطفال المهاجرين المفقودين.
وكشفت مصادر لـ"بوليتيكو" حقيقة صادمة، وهي أنه ليس من مصلحة السلطات في أوروبا البحث على الأطفال المفقودين ورعايتهم، لأن تلك العملية تتكلف أموالًا أكثر من عمليات رعاية الكبار.
ووفقًا لتقديرات "يوروبول"، فإن تكلفة رعاية طفل مهاجر في إيطاليا تبلغ 45 يورو في اليوم، بالإضافة إلى مبلغ 9 يورو لتوفير مصاريف التعليم وغيره من الأنشطة لمساعدة الطفل على الاندماج في المجتمع، في حين أن عمليات رعاية الشخص البالغ تتكلف 35 يورو فقط في اليوم.
وتوضح جيوفاني دي بينيديتو، المتحدثة باسم جمعية "إنقاذ الطفولة" جانبًا آخر من الأزمة، بقولها: "من خلال ما شهدناه في اليونان، فإن أرقام اللاجئين القصّر الحقيقية قد تكون أعلى من الإحصاءات الرسمية، لأن الكثير منهم يتم تسجيلهم على أنهم بالغين عند عبورهم الحدود"، ويعزى ذلك إلى أن بعض الأطفال يخشون الترحيل إلى بلادهم مجددًا، ويدلون بمعلومات غير صحيحة عن سنهم.
ومع تواصل طلبات اللجوء من أطفال غير مصحوبين بذويهم وتنامي المخاوف من فقدانهم، دعت المفوضة الأوروبية للعدل، جوروفا، إلى سرعة التعامل مع أزمة المهاجرين الأطفال لدى الاتحاد الأوروبي، وأوضحت أن جهود مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب الأطفال يجب أن تكون أولوية بالنسبة لوكالات الاتحاد الأوروبي المختلفة، كما أكدت على ضرورة سرعة إنهاء إجراءات طلب اللجوء قدر الإمكان لتجنب خطر فقدان أثر الأطفال.
aXA6IDMuMTQ0LjExNi4xOTUg جزيرة ام اند امز