صور الحرب والإرهاب تحوّل الأطفال إلى مجرمين.. كيف؟
دراسة أردنية تبين أن الطفل في عمر ١١ عاما يكون قد شاهد نحو ٢۰ ألف مشهد قتل أو موت وأكثر من ٨۰ ألف مشهد اعتداء.. فماذا يفعل ذلك بشخصيته؟
كيف يواجه الوالدان تساؤلات الأطفال المتعددة حول الإرهاب، وهل يستطيعون إقناعهم بإجابات شافية تجعلهم يشعرون بأمان. فما نشاهده على التلفاز من صور مؤلمة للقتلى والحروب وأيضاً فيديوهات مباشرة تعكس المجازر لا يمكن تجاهلها، ومنتشرة في كل مكان، فهل باستطاعة الوالدين في زحام هذا الإرهاب أن يجنّبوا أطفالهم هذا الرعب اليومي.
تقول أم سامي حراسيس، وهي أم لأربعة أطفال، إن ابنها الصغير الذي يبلغ من العمر 7 سنوات بعدما شاهد فيديو قتل لداعش الإرهابية الذي انتشر كثيرا على شاشات التلفاز والهواتف، بدأ يقلد ما شاهده أثناء لعبه، لتجده يوماً يهدد أصحابه بقطع رؤوسهم بواسطة سكينة جلبها من المطبخ، وكان الأطفال في وقتها يبكون، بينما هو يجد الأمر طبيعيا لأنهم أغضبوه.
وتضيف: "جلست مع ابني كثيرا وتحدثت معه عن هذه الجماعات الإرهابية، وكان لديه مجموعة من الأسئلة، لكن المشكلة أنني لا أستطيع شرح له كل التفاصيل السياسية، واكتفيت بوصف هذه الأحداث بانها خاطئة ويوجد عقاب عليها".
أما أم نذير طعيمات فتجد أن الخطأ الأساسي يكمن في بث مثل هذه المشاهد على التلفاز، محذرة من أنها لا تؤذي الأطفال فقط بل الكبار ايضاً، وتؤثر على نفسياتهم وتشكل خطرا على الإنسانية كلها. وتقول: "لو منعنا أطفالنا عن التلفاز سيشاهدون هذه الصور والمقاطع على شبكات التواصل الاجتماعي، اليوم لا تستطيع العائلة أن تتحكم بشكل كلي بما يصل لذهنية الطفل كون قنوات المعلومات غير محددة".
تضيف: "بعدما وقعت الحرب في غزة وكنا في المنزل متابعين بشكل دائم للأخبار، ونسينا أن بيننا طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، ولا تستطيع إدراك ما يدور، نتج عن هذه المشاهدات كوابيس مستمرة تلاحقها، والخوف من التعامل مع الغرباء، ورغبتها بالطعام قد خفت، واضطررنا أن نراجع الطبيب النفسي ليساعدنا في تشخيص حالتها، وبالفعل منحها أدوية، واستمر العلاج لمدة سنة مع ضرورة إيقاف أي وسيلة إخبارية".
صدمة عصبية
الدكتور باسل الحمد، المختص بالشأن النفسي، يؤكد أن الأطفال بأي عمر كانوا والإنسان بشكل عام، ليس لديهم مقدرة على تحمل المشاهد ذات الطبيعة المؤذية، من قتلى وجرحى وغيره، وتؤدي هذه المشاهدة إلى صدمة عصبية، ومن أعراض الصدمة: الاكتئاب، اضطرابات في النوم، والأكل. وأيضاً الأحلام المزعجة.
ويقول: "هذه الأعراض تصيب الأطفال بشكل أعمق، وتزيد نوبات البكاء لديهم، ويصبحون أكثر خوفاً من المجتمع، وفي أحيان كثيرة يظهر عليهم سلوك العدوانية، وهناك أيضاً اعراض جسدية كالمغص والآلام في العظام وغيرها من الأعراض". ويضيف: "في العيادة يأتي الأهالي ليعرفوا ماذا أصاب طفلهم خاصة مع هذه الأحداث الحالية، وصور الضحايا والأشلاء والدماء في كل مكان، أحيانا تكون الحالة عميقة وتحتاج إلى تدخل سلوكي ومتابعة علاجات محددة".
وينصح الحمد الأهالي بأن يمنعوا أطفالهم من مشاهدة مثل هذه الصور منعاً باتاً، وفي حالة سؤال الأطفال عن الاحداث، يجب إجابتهم بشكل منطقي يناسب عمرهم.
الخوف من العدوانية
الدكتورة حنان هلسة، المختصة بالشأن النفسي من جامعة الإسراء الخاصة، تبين أن مشاهدة الطفل لصور يتكون مضمونها من الضحايا والقتل بأشكاله سينعكس على نفسيته بدون شك ويصبح لديه فوبيا اجتماعية والخوف من الآخرين، ويلجأ للعزلة كحل للبعد عن الناس، حتى الحديث الدائم من قبل أهله والمجتمع المحيط به عن الإرهاب سيخلق له اعتيادا على الموت والدم وهنا تكمن الخطورة، إذا أصبح موضوع القتل بالنسبة له موضوعا طبيعيا ومحورا أساسيا من محاور اهتمامه.
وتحذر هلسة من أنه عندما تصبح صورة القتل صورة متواجدة بشكل يومي في ذهنية الطفل، تتحول مع الوقت إلى نمط حياتي، وجزءا من سلوكه ويلاحظ الأهل كيف أن سلوكه يصبح عدوانيا مع الآخرين ويتهكم بشكل دائم ويستعمل الكلمات البذيئة كوسيلة اتصال مع الآخر.
وتقول إن الخوف الحقيقي من أن تتحول شخصية الطفل الطبيعية إلى شخصية السيكوباثية أي الطاغية، ليتجسد سلوكه بالقتل بدم بارد أي محاسبة الضمير تختفي لديه كلياً، ويفقد المشاعر والأحاسيس ولا يستطيع تكوين أسرة ولا يرتبط بأي شكل من اشكال المسؤولية.
تضيف هلسة: "يواجه الأطفال والناشئين هذه الصور يوميا، بما يلقي الخوف والرعب في قلوبهم، وستلاحقهم مجموعة من الاسئلة ويجب أن يأخذ الأهل هذه الاسئلة على محمل الجد وألا يهملوها. وفي ذات الوقت أن يعملوا على طمأنة أطفالهم. فكثير منهم يتأثر بهذه الصور وترافقهم الكوابيس ليلاً، فلا نستطيع أن نتجاهل تأثير الصور التي تبث في التلفاز، فبحسب دراسة قامت بها محطة البي بي سي فإن تأثير التلفاز على سلوك الأطفال يقدر بنسبة 85 بالمائة. وهذا تأثير خطير".
وأوضحت أن المشكلة تتفاقم لأن الأهالي يواجهون تحديا في مواجهة هذه الصور، فالأطفال لديهم حب الفضول، وفي ذات الوقت لم يعد الأهالي والاصدقاء المصدر الوحيد للمعلومات، فهنالك شبكة الإنترنت التي تمدهم بما يتساءلون عنه بكل سهولة. لذلك يجب أن يكون دور الأهل الأهم ويتولد لدى الطفل القناعة التامة بأنه حصل على الإجابة الصحيحة.
وقد حذرت دراسة اجتماعية حديثة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن من أن للعنف المتلفز تأثيرات كثيرة على شخصية الطفل ومستقبله، وأن الطفل المشاهد للتلفاز دون رقابة أو انتقائية يصبح اقل احساسا بآلام الآخرين ومعاناتهم وأكثر رهبة وخشية للمجتمع المحيط به وأشد ميلا إلى ممارسة السلوك العدواني ويزيد استعداده لارتكاب التصرفات المؤذية.
وبينت الدراسة أن ذروة المشاهدة تكون في الفترة المسائية ويتم خلالها عرض مشاهد عنيفة بمعدل خمسة مشاهد في الساعة، وهذا يعني أن الطفل فى عمر ١١ عاما يكون قد شاهد نحو ٢۰ ألف مشهد قتل أو موت وأكثر من ٨۰ ألف مشهد اعتداء.
دراسة
ويرى الباحث البروفيسور جورج قربنر من جامعة بنسلفينيا أن الساعة الواحدة تعرض أكثر من 20 مشهدا عنيفا، وأن الطفل الذي يتعرض لمثل هذه المشاهد يكون أكثر من غيره عرضة لكي يعتقد أن العالم مليء بالخطر والحقد والعنف مما يؤثر على نفسيته وإقباله على الحياة وبالتالي نجاحه اجتماعيا.
وقد قام الباحث بدراسة أطفال قرية كندية يوجد لديهم تلفزيون وأطفال قرية أخرى على الجبال لم يصل إليها التلفزيون بعد؛ فوجدوا أن أطفال القرية الجبلية أكثر سلاما وراحة نفسية وأنسا من أطفال القرية الأخرى التي يكثر فيها الشجار والضرب بين أطفالهم. وحينما راقبوا الوضع بعد دخول التلفزيون للقرية النائية وجدوا أن العنف زاد لديهم بما يعادل 160% مقارنة بالسلام الذي كانوا عليه قبل تعرضهم للبرامج التلفزيونية العنيفة!
aXA6IDE4LjIyMy4yMDkuMTI5IA== جزيرة ام اند امز