"بورقيبة" يعود لوسط تونس بعد غياب 28 سنة
بعد مضي 28 عاما على إبعاده، يعود تمثال الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، إلى وسط العاصمة تونس حيث نصب أول مرة.
تتهيأ مدينة تونس العاصمة لرفع الستار عن تمثال الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، في احتفال رسمي كبير يقام في غرة شهر يونيو/حزيران المقبل، بعد الفراغ من تهيئة قاعدة التمثال ونصبه عليها في الشارع الرئيسي وسط المدينة، وانتهاء أشغال تلميع وتنظيف الرمز مما لحق به من شوائب خلال سنوات الإهمال والإبعاد.
واقتلع التمثال في 3 مايو/آيار الجاري من الضاحية الشمالية للعاصمة، تمهيدا لنصبه في موقعه الأصلي في خطوة رمزية، أثارت الجدل في أوساط المجتمع التونسي، بين من يعتبر بورقيبة مؤسسا لمفهوم الأمة التونسية، ومن يوازن بين مآثره ومناقبه في بناء أسس الدولة وأخطائه في التفرد بالحكم.
يحاكي التمثال الرئيس بورقيبة ممتطيا صهوة جواده شاخصا ببصره في الأفق البعيد، ملوحا بيده لمستقبليه، وجرى نحته تخليدا لذكرى عودة الزعيم الراحل من المنفى الفرنسي في الأول من يونيو/حزيران عام 1955، وهو ما جعل الحكومة التونسية تقرر إعادة التمثال إلى موقعه في نفس اليوم، احتفاء بذلك التاريخ المشهود لعودة "المجاهد الأكبر" كما يسميه محبوه.
حول قصة التمثال المثير للجدل، نقل عن الباحث التونسي العضو المؤسس للجمعية الوطنية للمحافظة على الإرث البورقيبي، جعفر محمود الأكحل، قوله إن تاريخ نحت هذا التمثال يعود لسنة 1982 بطلب شخصي من الحبيب بورقيبة، وقد انكب على نحته الرسام التونسي زبير التركي.
ومن الطرائف التي يذكرها الباحث حول التمثال، أن الزعيم بورقيبة كان مصرا على نصب التمثال قبالة تمثال المفكر والعلامة ابن خلدون، في ربط معنوي لمسيرة الإصلاح الاجتماعي التي بدأها ابن خلدون في كتاباته، ويعتقد بورقيبة أنه واصل على نهجها في إطار بناء دولة تونس الحديثة.
وقد نصب حينئذ في الشارع الرئيسي وسط العاصمة التونسية، قبل أن يزال من موقعه ويتم إبعاده إلى مدينه "حلق الواد" في ضواحي العاصمة، بعد انقلاب الرئيس زين العابدين بن علي وإزاحة بورقيبة عن السلطة عام 1987.
وتثير عودة التمثال إلى موقعه الأول جدلا إعلاميا بين مؤيد ومعارض، وتجاوز النقاش بين الإسلاميين واليساريين والوطنيين القوميين، النصب التذكاري في حد ذاته، وامتد ليشمل الحضور القوي للفكر البورقيبي في الساحة التونسية.
النقاش تزامن مع طرح عضو البرلمان التونسي مهدي بن غربية، مشروع قانون للمساواة بين الرجال والنساء في الميراث، وهي فكرة خالصة للرئيس الراحل، الأمر الذي رأى فيه البعض مثالا واضحا على عدم اكتفاء التيار اليساري في تونس بإحياء رموز الدولة البورقيبية بل والسعي أيضا لتكريس فكره السياسي ورؤيته لهوية الدولة.
ورغم انشغال الشارع التونسي بواقعه الاقتصادي و الاجتماعي الصعب، إلا أنه بقي متأثرا بفترة حكم بورقيبة كمرحلة رئيسة في بناء الدولة المدنية العصرية، وقد جاهر الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي بتمسكه بهذه الإيديولوجيا، وراهن خلال حملته الانتخابية وحتى إثر تسلمه مقاليد الرئاسة، على إحياء إرث بورقيبة وإصلاحاته في إرساء ركائز الدولة العصرية، بنشر التعليم وتحرير المرأة وانتهاج الحياد الدبلوماسي في كبرى القضايا الدولية.
الحكومة التونسية من جهتها، أدرجت نقل تمثال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، إلى مكانه وسط العاصمة، ضمن حرصها على رد الاعتبار للمناضلين والزعماء الذين أسسوا الدولة الجمهورية الحديثة، بطرق مختلفة منها اعتماد أسمائهم لتسمية الشوارع والساحات والنصب التذكارية.
رغم ذلك، اتهم معارضون حكومة الحبيب الصيد بإهدار المال العام، ما دفع الرئيس الباجي قايد السبسي للتوضيح بأن الكلفة الحقيقية لنقل وتتبيث تمثال بورقيبة لم تتجاوز النصف مليون دينار تونسي، بسبب أن أشغالا كثيرة تكفل بها فنانون من محبي الرئيس الراحل.
aXA6IDE4LjIyNi4yMjYuMTU4IA== جزيرة ام اند امز