اليوم يواجه العالم عدوًّا جديدًا هو الإرهاب الذي أخذ الصبغة العالمية وطالت يداه أغلب دول العالم.
يحلو للبعض اعتبار التدخل الروسي في سوريا شرارة لحرب عالمية ثالثة قد تُدار بالوكالة أو بشكل مباشر بين الأقطاب العالمية المتصارعة. وعقب إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية التي قالت تركيا إنها انتهكت أجواءها واخترقت سيادتها عاد الحديث مجددًا عن احتمالية نشوب حرب كبرى تتوزع فيها الولاءات وتُبنى التحالفات لتعيد للأذهان المأساة التي عاشتها البشرية في الحرب العالمية الأولى والثانية في بدايات القرن العشرين.
يرى البعض أن منطقة الشرق الأوسط لا تمثل وحدها بؤرة التوتر الوحيدة التي يمكن أن تكون البداية منها، فهناك مناطق أخرى مثل أوكرانيا والهند وباكستان وغيرها من المناطق التي تسبح فوق بحار احتقان سياسي وعسكري قابل للتحول إلى مواجهات مفتوحة، لكن تبقى منطقة الشرق الأوسط والمستنقع السوري النموذج البارز للحرب بالوكالة بين دول كبرى وقوى إقليمية تتصارع مصالحها.
الشكل التقليدي للحرب العالمية التي شهدها العالم في بدايات القرن العشرين غير قابل للتكرار لأن ماكينة التقدم الحضاري وتحول العامل الاقتصادي إلى العامل الأول في رضا الشعوب عن حكامها يقف حاجزا بين صانع القرار السياسي، خصوصا في الدول الكبرى، وبين جرأته على التورط في حرب مفتوحة تتسبب في استنزاف الاقتصاد وإنهاكه، لذلك فأغلب التدخلات العسكرية التي حدثت في السنوات الماضية كانت بحثا عن مصالح اقتصادية جديدة أو تدخلات عسكرية مدفوعة الأجر مسبقا أو ضربات انتقامية محدودة كردود أفعال على حدث ما.
اليوم يواجه العالم عدوا جديدا هو الإرهاب الذي أخذ الصبغة العالمية وطالت يداه أغلب دول العالم، الإرهاب يضرب بلا تمييز، ولا يفرّق بين المعسكرات الدولية المتضادة، فقد ضرب تركيا كما ضرب روسيا وضرب السعودية ووصل لفرنسا مرورًا بلبنان والعراق وغيرها، مما يجعل العالم يعيد النظر حول تعريف العدو المشترك وكيفية مواجهته.
الحرب العالمية الثالثة يجب أن تكون ضد الإرهاب لاقتلاع جذوره وتجفيف منابعه مع ملاحظة أن هناك ثلاثة مستويات للإرهاب ينبغي التعامل معها وهى أولا: إرهاب الأفراد، وثانيًا: إرهاب التنظيمات، وثالثًا: إرهاب الدول، وهذه المستويات الثلاثة من الإرهاب لا يمكن فصلها أحدها عن الآخر لأنها تتلاقى وتتآزر لتصنع المشهد الدموي البغيض الذي صار كابوسًا متكررا لكل سكان الأرض.
فى العقد الماضي تعامل العالم مع إرهاب التنظيمات فقط دون التعامل مع إرهاب الأفراد ودون بحث كيفية تحول الشخص العادي إلى إرهابي، ورأينا أثر ذلك في انتشار ظاهرة الذئاب المنفردة التي يتحول فيها الشخص الواحد أو الفردان إلى تنظيم إرهابي مستقل وعشوائين مما يصعّب ملاحقته الأمنية، كذلك سكت العالم عن الدول المصدرة للإرهاب وهى في أغلبها دول ذات نظم سلطوية تمارس قمع مواطنيها والتمييز بينهم وتخلق عبر الديكتاتورية مناخًا مهيِّئا لصناعة التطرف وتفريخ الإرهابيين وانتشارهم عبر ربوع العالم.
اليوم يدفع العالم ثمن ذلك، ويحضرنا قول مارتن لوثر كينج حين قال "إن وجود الظلم في أي مكان يهدد العدل في كل مكان"، ويمكن أن نضيف أنه يهدد الأمن في كل مكان. بعض الدول الكبرى لم تكتف بالصمت على إرهاب الدول الموالية لها بل دعمت استمرار الاستبداد وتجاهلت أن الاستبداد هو نوع من الإرهاب وها هي اليوم تحصد ثماراً شديدة المرارة لما جنته أيديها.
الحرب العالمية الثالثة يجب أن تكون حربًا إيجابية من أجل الإنسان، فهي حرب أخلاقية تُنحي لغة المصالح وأهواء السيطرة ورغبات الاستحواذ والتمدد وتستبدلها في إرادة حازمة في نشر السلام ومقاومة الكراهية وحل أسباب الصراعات بشكل جذري، لن يمكن لدولة مهما كانت قوتها العسكرية ومواردها الاقتصادية أن تنعم بالأمن والاستقرار وهى تدعم أنظمة استبدادية بحثا عن المصالح التي ستنقلب لجحيم مضاد يوما ما.
ونحن نواجه الإرهاب يجب أن يتحول العالم إلى كتلة واحدة رغم كل الخلافات الحادة، نحن الآن نشبه من ركبوا السفينة مع النبي نوح لينقذوا أنفسهم من الطوفان القاتل، هذا الطوفان يمثله اليوم الإرهاب، من سيرفض ركوب السفينة ويظن أنه بمنأى عن الغرق ستعصف به الأمواج وسيدفع عاقبة غروه.
يعود اليوم للأذهان مفهوم "السلام العالمي" الذي يعتبره البعض مدعاة للسخرية ويتهم من يتحدثون عنه بالمثالية الساذجة لكن الحقيقة أن السلام العالمي يبدأ من السلام الفردي لكل إنسان على وجه الأرض وإذا تحقق السلام الفردي للإنسان عبر حياة كريمة تُصان فيها كرامته وتُحفظ حقوقه ولا تُنتهك آدميته ومعتقداته ويشعر فيها بتحقق المساواة والعدالة فإن السلام العالمي لن يصبح وهمًا ولا سببًا للتندّر والاستخفاف.
البشرية اليوم في لحظة فارقة، إما أن تعود لثقافة المجتمعات البدائية وشريعة الغاب رغم ما وصلت إليه من مظاهر تحضر تكنولوجي، وإما أن تختار ترسيخ القيم الإنسانية وتعظيم قيمة الإنسان أيًّا كان لونه ودينه وبلده لأن كل إنسان هو مواطن في هذا الكوكب الذي يجمعنا وله نفس الحقوق التي يتمتع بها غيره.
الطريق إلى سعادة البشرية والانتصار على الإرهاب وتحقيق الأمن يبدأ ببناء الإنسان وخلق المناخ الملائم لتحقق إنسانيته وحمايته من خطر التطرف والإرهاب، هل ينتبه من يعتقدون أنهم صناع القرار العالمي أو شرطي العالم إلى هذا المأزق الذي قادتنا إليه معالجات خاطئة غلبت عليها الأنانية وتغليب المصلحة على حساب شعوب أخرى؟ اجعلوا الحرب العالمية الثالثة من أجل الإنسان.
يُنشر هذا المقال بالتزامن في جريدة "الشروق" المصرية وبوابة "العين" الإخبارية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة