مقاربة العلاقات التركية - «الإسرائيلية» ووضعها في سياقات ثنائية وإقليمية ودولية تظهر لنا أن هذه العلاقات استراتيجية
تناقلت الأنباء مؤخراً أن اجتماعات جديدة بين تركيا و«إسرائيل» ستحصل من أجل استكمال اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين.
وكان الطرفان قد اتفقا على بندين من ثلاثة بنود تصفهما تركيا بالشروط. وهما الاعتذار والتعويضات عن ضحايا سفينة مرمرة. أما المباحثات فتتناول الآن بند رفع الحصار عن غزة.
في الظاهر يبدو الخلاف على قضايا تتعلق بالقضية الفلسطينية، لكن الحقيقة أن مسار المفاوضات بين تركيا و«إسرائيل» لا علاقة له بهذا الأمر، وهو مرتبط بحسابات تركية أخرى داخلية وخارجية.
ومع ذلك فمقاربة العلاقات التركية - «الإسرائيلية» ووضعها في سياقات ثنائية وإقليمية ودولية تظهر لنا أن هذه العلاقات استراتيجية لا يغير منها انتقاد تركي من هنا أو خطوة من هناك.
تبدأ المقاربة من سياقين: الأول سياق العلاقات الثنائية، والثاني سياق منظومة العلاقات الخارجية لتركيا ككل. في السياق الأول، فإن تركيا في مرحلة ما قبل حزب العدالة والتنمية، عدا ومضات قليلة، كانت علاقاتها بنيوية مع الكيان الصهيوني منذ أن اعترفت به عام 1949 وصولاً إلى أكبر اتفاق عسكري معه في العام 1996. وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 كانت المفاجأة أن الحزب الذي يحمل إيديولوجيا إسلامية واضحة، لم يكتف بمواصلة العلاقات الجيدة مع «إسرائيل»، بل منحها أبعاداً جديدة معنوية أخطر من تلك المادية والعسكرية.
إذ إن ما فعله الرئيس المصري الراحل أنور السادات بكسره ما سمّاه الحاجز النفسي مع «إسرائيل» بزيارته الشهيرة والمشؤومة للكيان «الإسرائيلي» عشية كامب ديفيد، هو نفسه ما فعله قادة العدالة والتنمية بدعوتهم عام 2007 الرئيس «الإسرائيلي» السابق شمعون بيريز ليلقي كلمة، مع محمود عباس، أمام البرلمان التركي، ليكون أول مسؤول «إسرائيلي» يلقي كلمة أمام برلمان دولة مسلمة في كل العالم، مسجلين بذلك سابقة في العلاقات الثنائية لم يجرء حتى العلمانيون والعسكر من قبل على القيام بها.
ورغم أن حادثة دافوس ومن بعدها «أسطول الحرية» ومقتل تسعة ناشطين أتراك، ودخول العلاقات الثنائية مرحلة من الفتور بعد العام 2010، فإن العلاقات استمرت في نموها واتساعها. فالعلاقات الاقتصادية على سبيل المثال كانت ترتفع كل عام بعد دافوس وحتى اليوم بمعدل 30 في المئة عن العام الذي قبلها، لتصل اليوم إلى ستة مليارات ونصف المليار دولار بعدما كانت عام 2010 فقط مليارين ونصف المليار دولار. كما أن تركيا لم تتردد في بيع النفط العراقي من إقليم كردستان، وكذلك نفط «داعش» المهرب من سوريا والعراق عبر تركيا إلى «إسرائيل» تحديداً.
الأمثلة على ذلك كثيرة، لننتقل إلى السياق الثاني الخارجي لنقول إنه لا يمكن مقاربة العلاقات التركية مع أي دولة أخرى ومنها «إسرائيل» خارج الأخذ في الاعتبار أن تركيا أولاً وأخيراً دولة أطلسية وغربية الانتماء السياسي والعسكري والأمني. وقد أكد المسؤولون في حزب العدالة والتنمية دائماً في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد بدء الأزمة السورية، أن حدود تركيا هي حدود الأطلسي. وفي معادلة بسيطة فإن أي بلد لا يمكن أن يكون أطلسياً وفي الوقت نفسه معادياً ل«إسرائيل». لذلك فإن أي فتور في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب لا يغير من حقيقة الثبات الاستراتيجي في العلاقات بينهما.
وما يؤكد أن تطبيع العلاقات بين تركيا و«إسرائيل» لا علاقة له أبداً بالقضية الفلسطينية أو كسر الحصار على غزة، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أطلق تصريحه الشهير قبل خمسة أشهر حول أن تركيا تحتاج إلى «إسرائيل» و«إسرائيل» تحتاج إلى تركيا. فلماذا يعلن أردوغان حاجته إلى «إسرائيل»، في وقت لم تغير «إسرائيل» سياساتها تجاه القضية الفلسطينية؛ لا وقفاً للاستيطان، ولا تهويداً للقدس، ولا إنهاء للاحتلال أو الحصار؟!
من الواضح أن تركيا تحركها في العلاقات مع «إسرائيل»، وفقاً لما هي تراه، مصالحها القومية، خصوصاً بعدما دخلت في عزلة إقليمية ودولية في السنوات الأخيرة. ولا يمت ذلك بصلة إلى غزة ولا إلى القضية الفلسطينية.
المقال نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة