غالبية المعلّقين على مواقع التواصل الاجتماعي، ربطوا فوز خان بسؤال المواطنة في العالم العربي
عندما عاد صديقنا من زيارة لليابان، أبلغنا والحسرة تمزّق قلبه: لماذا لا نكون مثلهم، في النظام، والاتقان، واحترام المواعيد، وتقديس العمل، والصدق، والولاء للقيم. قلنا له: على رسلك يا صاح. أنت في الأردن وتتحدث عن اليابان. حدثنا، إن شئت المقارنة، بما يجري في أي بلد في العالم الثالث، لتكون المقارنة منطقية، وليكون جزعك مبرّراً، ولا تنسَ أن الحضارة فعلُ ديمومة توقّف لدينا منذ ألف عام، وظل متواصلاً لديهم، كشلال لا ينقطع، حتى في ذروة الآلام والهزائم والخسارات.
وما كانت لتلك الحادثة أن تنهض من غفوتها لولا استدعاء حديث المقارنة إياه، بعد فوز الباكستاني المسلم صديق خان برئاسة بلدية لندن، متقدّماً على منافسه اليهودي من حزب المحافظين زاك غولد سميث بأكثر من 300 ألف صوت.
غالبية المعلّقين على مواقع التواصل الاجتماعي، ربطوا فوز خان بأرفع موقع في لندن التي يسكنها زهاء 7 ملايين نسمة، بسؤال المواطنة في العالم العربي، فخان المولود في لندن لأب مهاجر باكستاني كان يعمل سائق حافلة، حاز الجنسية البريطانية لحظة مولده، وعمل محامياً في مجال حقوق الإنسان، قبل أن يصعد إلى مرتبة وزير في حكومة رئيس الوزراء السابق غوردون براون.
لم يسأله أحد عن مساقط رؤوس أجداده الأولين، ولم يجرِ ذمّه بسبب لون بشرته السوداء، على رغم أنّ منافسه غولد سميث دأب على وصمه بأوصاف من قبيل «متطرف وخطر»، وبأنه «أتاح للساعين إلى إلحاق الأذى بشرطتنا وعاصمتنا منابرَ وأوكسجيناً وغطاءً، مرات ومرات».
وانضم إلى هذا السُّعار رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي أكّد أن لخان صلات «بإرهابيين». كان ردّ خان، على ما أفادت الأنباء، هادئاً ورصيناً وواثقاً: «أنا فخور بأنني مسلم... أنا لندني، أنا بريطاني... لدي أصول باكستانية. وأنا أب وزوج ومناصر لنادي ليفربول منذ زمن طويل. أنا كل هذا».
وبعد انتخابه، جدّد وعده، في تغريدة على حسابه على «تويتر»، بأن يكون «رئيس بلدية لجميع اللندنيين»، معرباً عن فخره بأنّ «لندن اختارت اليوم الأمل، بدلاً من الخوف، والوحدة بدلاً من الانقسام».
ومع أنّ انتخاب خان جاء في ذروة لهيب «الإسلاموفوبيا»، إلا أنّ اللندنيين الذين تبلغ نسبة غير البيض منهم 44 في المئة، اختاروا مواجهة الخوف والهواجس، وعدم الاختباء وراء ذرائع حدسوا بأنها لن تجلب لهم الأمن والاستقرار.
وقد فاح من كلام صحيفة «الغارديان» شعور الخيلاء، وهي تتحدث عن المعاني الرمزية لانتخاب خان، فـ «مهما كانت خلفيتك العرقية أو عقيدتك الدينية أو طبقتك الاجتماعية فأمامك أيضاً فرصة الصعود إلى أعلى السلم في ببريطانيا، وباختيار مباشر من الجمهور»، مستدركة: فوز خان لن يقضي على «الإسلاموفوبيا» في المشهد السياسي البريطاني، مثلما لم يقض فوز أوباما على العنصرية في أميركا، لكنه يمنح لحظة من الأمل على الأقل.
ولم يمرّ فوز خان من دون تلميحات وسائل الإعلام والأوساط اليمينية الأميركية التي وصفت عملية الانتخاب بما يكرّس وصفها العنصري «لندنستان» الذي أضافت إليه «خانستان» في إشارة إلى كثرة المسلمين في لندن وأجزاء عدة في أوروبا.
ثمة بارقة أمل، تسبق أخرى وتتلو واحدة لاحقة، بأنّ أصوات التطرف ليست دائماً الأبلغ أثراً، وهو ما أشارت إليه «واشنطن بوست» التي قالت إن خان احتضن الإسلام وجعله سبباً لفوزه، في الوقت الذي ينظر كثيرون إلى الإسلام بعداء. وذكّرت الصحيفة الأميركية بتغريدة أرسلها خان إلى منافسه المحافظ يقول فيها «لا فائدة من صراخك طوال الوقت بأنّ منافسك مسلم، فقد ذكرتُ ذلك في كتيبات الدعاية التي قمنا بتوزيعها»!
درس آخر يأتينا من بعيد، يعلّمنا بأننا لن نصبح إنسانيين إلا إذا أولينا «المواطنة» كلّ جهودنا ونضالنا، فهي الركيزة لأي سِلم أو تقدّم أو نهضة أو عمران. وإن لم نفعل ذلك، والأغلب أننا لن نفعل! فإننا سنرتطم كلّ حين بحكاية خانهم البريطاني، وخاننا المصري، المخرج السينمائي المبدع محمد خان الذي وُلد في القاهرة يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، وقدّم لمصر عشرات الجوائز في كبرى المحافل السينمائية في العالم. وبعد حملة مناشدات واسعة، منح الرئيس الموقت المستشار عدلي منصور، أوخر 2013، الجنسية المصرية لخان الذي اشتعل رأسه شيباً، ونيّفَ على السبعين، والذي لا تخلو أسماء فيلمين له من دلالة رمزية تناسب السياق «سوبرماركت»، و»خرج ولم يعد»!
المقال نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة