روسيا مازالت، بعد أكثر من ربع قرن على تفكك الاتحاد السوفياتي، تحن إلى ذلك العهد عندما كانت قوة عظمى
ما زالت روسيا، بعد أكثر من ربع قرن على تفكك الاتحاد السوفياتي، تحن إلى ذلك العهد عندما كانت قوة عظمى. وما زال الأطلسي يحاول تطويقها عسكرياً وسياسياً، سواء كان ذلك في مجالها الحيوي المباشر، أي دول البلطيق، وأوروبا الشرقية التي كانت تشكل بقيادتها ما عرف بحلف وارسو، أو في آسيا الوسطى والقوقاز. وذلك من خلال توسيع الحلف، إما بضم هذه الدول إليه وتسليحها ووضعها تحت حمايته، أو توسيعه بطريقة غير مباشرة من خلال نشر قواعد أميركية أو فرنسية أو بريطانية في الشرق الأوسط، خصوصاً في الخليج العربي. ولا ننسى أيضاً أن تركيا، وهي القوة العسكرية الثانية في الحلف، بعد الولايات المتحدة، تشكل الجبهة الأمامية في مواجهة موسكو.
تطويق روسيا استراتيجية قديمة جديدة للأطلسي تتخذ أشكالاً مختلفة، فمرة يشعل الثورات الملونة في عقر دارها، مثلما حصل في أوكرانيا، ومرة ينظم مناورات ضخمة في جورجيا، وينشر دروعاً صاروخية عند حدودها، مثلما يفعل الآن في رومانيا. وزيادة في التحدي اختار قاعدة سوفياتية لنشر هذه الدرع. لكنه في الوقت نفسه حاول تهدئة الغضب الروسي بتصريحات لا تقنع طفلاً صغيراً فكيف بفلاديمير بوتين الذي يعتبر نفسه لاعباً استراتيجياً ويدعو إلى الثنائية في قيادة العالم.
خلال تدشين الدرع الصاروخية في رومانيا، قال مساعد وزير الدفاع الأميركي روبرت وورك: «ما دامت إيران تواصل تطوير صواريخ باليستية، وتنشرها فستستمر الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها للدفاع عن الأطلسي». أما الأمين العام للحلف يانيس شتولتنبيرغ فأكد أن النظام الصاروخي «يعزز قدرة الدفاع لدى الحلفاء الأوروبيين في مواجهة صواريخ تنطلق من خارج المنطقة الأطلسية، خصوصاً من الشرق الأوسط». ودعا موسكو إلى عدم القلق لأن «الموقع في رومانيا مثل ذاك الذي سيقام في بولندا ليس موجهاً ضدها».
يتساءل الروس: هل تستطيع إيران التي تطوقها القواعد الأميركية والدول المعادية لها في أذربيجان وتركيا وباكستان والخليج أن تطلق صواريخ باليستية في اتجاه أوروبا؟ ثم ماذا عن الاتفاق النووي مع طهران، هل هو مجرد حبر على ورق؟ ألا ينص على مراقبة المواقع العسكرية الإيرانية؟ ألا يستطيع الأطلسي رصد تحركاتها والرد عليها قبل أن تطلق صاروخاً واحداً؟ ثم هل إيران تخطط فعلاً لحرب عالمية؟
هذه هي الحرب الباردة بين روسيا والأطلسي بكل تجلياتها القديمة المعروفة، ومتغيراتها الحديثة في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. أما نحن، خصوصاً في المشرق العربي، فأدواتها ووقودها المشتعل منذ عشر سنوات أو أكثر. نحرق بلداننا وندمر أنفسنا.
المقال نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة