رواية "في فمي لؤلؤة".. حياة في مراكب الصيد
"في فمي لؤلؤة" رواية ميسون صقر الجديدة تأخذنا لعالم مليء بالتفاصيل عن عالم اللؤلؤ وتجارته وحياة الصيادين
تأخذنا رواية ميسون صقر "في فمي لؤلؤة"، لعالم مليء بالتفاصيل عن عالم اللؤلؤ وتجارته وحياة الصيادين، فهي رواية مشغولة بالغوص والبحث عن اللؤلؤ المستحيل.
ميسون صقر قضت 9 سنوات (2007-2016) تنقيبًا ومساءلة؛ كي تكتب روايتها الجديدة، التي جاءت في 600 صفحة من القطع المتوسط، وأصدرتها الدار المصرية اللبنانية في طبعة خاصة في جمالياتها، بغلاف صممته الشاعرة والروائية والفنانة التشكيلية ميسون صقر.
يتصدر الغلاف صورة للممثلة العالمية الشهيرة مارلين مونرو وهي تتقلد عقدًا من اللؤلؤ، كان زوجها الثاني قد أهداه لها، وهو من إنتاج دار "ميكيموتو اليابانية" المتخصصة في اللؤلؤ المزروع، ومكوَّن من "44 لؤلؤة"، وقد اشترته الدار وسُمِّي باسمها.
تتناول رواية ميسون صقر "في فمي لؤلؤة" عالم صـيد اللؤلؤ وحياة الغواصين على مراكب الصيد، لا تكـتـفي الرواية بحياة البحر لتوثِّق تواريخ الغوص وطقوسه فقط، بل تقدم رؤية لحياة الإمارات خلال زمن صيد اللؤلؤ في خيوط سرد متوازية، فتتنقل بين الحصون ومزارع الإبل ومناطق البدو ومدن الصيد وخيام الغواصين وجبال الشحوح، وتحتفي بخصوصية كل مجموعة، وتقدم بين ثنايا القصة المتخيلة شخصيات وأحداثا من الواقع تصل إلى حد التأريخ في بعض المواضع.
لم تترك صقر شاردةً ولا واردة حول اللؤلؤ إلا واصطادته، مؤمنةً بما جاء في الكتاب المقدَّس، العهد القديم، إصحاح أيوب "تحصيل الحكمة خير من اللآلئ"، وإذا كانت هذه الرواية هي رواية لؤلؤ، فهي في الوقت ذاته رواية حكمة، فـ "ميسون صقر" في مغاصتها الرابعة المعنونة بـ "العنف والوَلَه" تعود إلى الآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سُورة الواقعة لتصل إلى ذُروة الحكمة: "وحورٌ عين، كأمثال اللؤلؤ المكنون".
الـرواية لا تتـحرك فقط في المكان ولكـن بالتوازي تقدم عالما معاصرًا في الزمن الراهن لـفتاة مـن الإمارات تدرس وتعيش في القاهرة وتسافر إلى وطنها من أجل بحث يفتح لها آفاقا وعوالم يتـداخل فيها الواقعي بالأسطوري والحقيقي بالخيالي، وتنفتح علـى رسائل ووثائق لرحالة ومستشرقين تضـيء مرحلة مهمـة مـن تاريخ الخليج وأطماع الدول الاستعمارية فيه.
وتسافر إحدى شخصيات الرواية في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى عوالم الهند الأسطورية؛ لتعرفنا بمدن يعيش فيها عرب وأبناء عرب تزوجوا من هنديات، وبين تمرد الشخصية النسائية المعاصرة على حياتها وتمرد نساء من زمن مضى، تقف الرواية على محك الإرادة في صراعها مع الواقع الاجتماعي والسياسي، لترصد لنا ملامح تلك المدن وهي على عتبة الخروج من عصر اللؤلؤ إلى عصر الزيت، حيث لا تجد الأحلام الوادعة مكانا لها، وحيث تصبح أشياء كثيرة غير ذات قيمة في العالم الجديد.
تحدثت ميسون صقر عن بعض التفاصيل الخاصة بالرواية، مشيرة إلى أنها استغرقت منها 7سنوات من المغامرة اللغوية، والقراءة، والغوص في الذات وتحولات المنطقة، والبحث المضني في أرشيفات البحر والأساطير ورحلات الغوص والمواويل البحرية والشعر الشعبي المتعلق بجماليات اللؤلؤ، وكذلك ملاحقة مراحل صعود وانهيار تجارة اللؤلؤ على يد المخترع الياباني "ميكوموتو" الذي ارتدت الممثلة المنتحرة مارلين مونرو إحدى قلائده الصناعية، وهي الممثلة التي تظهر على غلاف الرواية بالقلادة ذاتها، إمعانًا ربما من ميسون في تفكيك العلاقة المعقدة بين الأصيل (المنسي) وبين الزائف (الحاضر).
وقالت: "بدأت أبحث عن سحر وتأثير اللؤلؤ في المدونات القديمة، ووجدت أن كليوباترا نزعت قرطها، وسحقت اللؤلؤة الكبيرة التي تزينه، ثم أفرغت المسحوق في قدح نبيذ، وشربته أمام أنطونيو، وفيما بعد، قُدّم قرطها الثاني الذي تم إنقاذه، قربانا لتمثال الإلهة فينوس في الإمبراطورية الرومانية، حيث يعد اللؤلؤ من أقدس الأحجار الكريمة"
وأضافت أن "هناك حكايات كثيرة صيغت وأُلفِّت حول اللؤلؤ، ولكن أهم اللآلئ هي تلك التي خرجت من سواحل الخليج، وساحل الإمارات تحديدًا، وهي اللآلئ التي زينت عنق الممثلة المعروفة إليزابيث تايلور، كما زينت عمائم مهراجات الهند، وقالت: إن المغفور له الشيخ زايد كان قد أهدى عقدًا من اللؤلؤ المحلي لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، كما أن عقدًا كان اسمه "كمزار" بيع في زمن تصديره بمئة روبية، ووصل سعره بعد سنوات طويلة إلى ملايين الدولارات.
وأوضحت ميسون أن معظم الحكايات حامت والتصقت بالقيمة المادية والمعنوية لعنصر اللؤلؤ، ولكن لم يتطرق أحد لمعاناة الإنسان الذي أخرج هذه الجوهرة من أعماق البحر، ومن هنا -كما قالت- أتت هذه الرواية كي تفصح عن مغامرات وعذابات وأفراح وأتراح هؤلاء الغوَّاصين الذين نسيهم الجميع، وذابت أرواحهم في قيعان التعب، كما نسى المؤرخون المراكب التي ذهبت إلى أقاصي الحلم ولم تعد، ونسوا التاريخ الذي نعتز به في دواخلنا كأناس معنيين، وبشكل جذري، برحلات الغوص وبمعاناة الرجال الذين تقبّل البحر جثامينهم دون اعتراض.
وزّعت ميسون زمن روايتها "في فمي لؤلؤة" على عالمين، وهما العالم الأصلي المتعلِّق بالصيد والغوص والرحلات والأذى الحسي والنفسي الذي يطارد الغواصين، ثم العالم الثاني وهو العالم الافتراضي الوهمي الذي يعيشه الأثرياء والفنانون، الذين يقتنون اللؤلؤ وتلاحقهم لعناته الخفية. والرواية مقسمة إلى خمسة أجزاء، أو خمس مغاصات، وكل مغاصة وُزِّعت على أربعة أقسام، وكل قسم يتناوب بين الحديث والقديم، والملموس والوهمي، وقالت إن روايتها "تحمل إسقاطات عديدة حول تعاقب المحتلين والمستعمرين لأرواحنا وذواتنا وبلداننا منذ الأزمنة القديمة وحتى اليوم، ولكن بأشكال وصيغ مختلفة ".
ولدت ميسون صقر في الإمارات، وجاءت إلى مصر في طفولتها المبكرة، حيث درست كل مراحلها التعليمية في القاهرة، وتخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من قسم السياسة بجامعة القاهرة.
وعملت في المجمع الثقافي بأبوظبي في مركز الوثائق، ثم في مؤسسة الثقافة والفنون كرئيس لقسم الثقافة، ثم لقسم الفنون ثم أنشأت قسمًا للنشر بما فيه من عقود ونظم ومستشارين، وطبع خلال فترتها الكثير من الكتب المهمة المترجمة والمؤلفة، ثم أصبحت رئيسًا لقسميْ النشر والفنون؛ فأنشأت قسم النشر، كما أنشأت وأقامت مهرجان الطفولة الأول والثاني، وعملت بوزارة الإعلام والثقافة كمدير الإدارة الثقافية، وجرَّبت كتابة السيناريو لأعمال موجهة للأطفال، وأخرجت ستة أعمال صلصال بهذه السيناريوهات، وجمعت وحققت الأعمال الكاملة لوالدها الشاعر الشيخ صقر بن سلطان القاسمي في أربعة أجزاء، والذي استغرق سنوات كثيرة من العمل.
وقد أصدرت ميسون صقر الأعمال الشعرية: هكذا أسمي الأشياء، الريهقان، جريان في مادة الجسد، البيت، الآخر في عتمته، مكان آخر "رسم وشعر للأطفال "، السرد على هيئته "رسم وشعر"، تشكيل الأذى، عامل نفسه ماشى "عاميه مصرية "، رجل مجنون لا يحبني (وقد صدر في طبعة شعبية عن مكتبة الأسرة)، مخبية في هدومها الدلع "عامية مصرية"، أرملة قاطع طريق، جمالي في الصور، وقد أصدرت لها الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة مختارات شعرية حملت عنوان "رغوة القلب الفائضة"، وقد نالت جائزة كفافيس في الشعر .
aXA6IDE4LjIyMS45My4xNjcg جزيرة ام اند امز