محمد السادس بخطبة عيد العرش.. ملامح قوة المغرب ووحدته وعلاقته بالجزائر
رسم العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطبته المباشرة للشعب المغربي، اليوم السبت، بمناسبة عيد العرش، ملامح قوة المملكة المغربية ووحدتها، وعلاقة المغرب "الأخوية" مع جارته الجزائر.
وقال العاهل المغربي إن المغرب دولة عريقة وأمة موحدة تضرب جذورها في أعماق التاريخ، قوي بوحدته الوطنية وإجماع مكوناته حول مقدساته.
وفي خطبة عيد العرش، أكد الملك محمد السادس أن المغرب قوي بطاقاته وكفاءاته، مردفا: "هذا الرصيد البشري مكن البلاد من رفع التحديات وتجاوز الصعوبات على مر التاريخ".
ووجه ملك المغرب الشكر إلى كل الفاعلين في القطاع الصحي الخاص والعسكري والسلطات الأمنية والإدارية لجهودهم في مواجهة فيروس كورونا.
وفي حديثه عن قضايا الشأن المغربي الداخلي وبينها مواجهة جائحة كورونا، قال العاهل المغربي "إنها مرحلة صعبة علينا جميعا وعليّ وعلى أسرتي وباقي المواطنين، عندما أرى المغاربة يعانون أحس بنفس الألم وأقاسمهم نفس الشعور".
وتابع: على الرغم من أن هذا الوباء أثر على الجميع، حاولنا إيجاد حلول لتجاوز الأزمة، وقد بادرنا لإحداث صندوق خاص لمواجهة كوفيد، ولقي إقبالا تلقائيا من المواطنين، كما أطلقنا خطة طموحة لانطلاق الاقتصاد بتقديم مساعدات مادية مباشرة.
وفي نفس السياق أشاد الملك محمد السادس بجهود بلاده في مواجهة الجائحة قائلا: من حقنا اليوم أن نعتز بنجاح المغرب في معركة الحصول على اللقاح وهي ليست سهلة، وكذا بسير الحملة الوطنية للتلقيح وانخراط المواطنين فيها، كما أطلقنا مشروعا رائدا في صناعة اللقاح.
واستدرك أنه رغم كل هذا لا بد من التنبيه من أن الوباء لا يزال موجودا، وأن الأزمة ما زالت قائمة وعلى الجميع احترام التوجيهات الصادرة في هذا الشأن.
وحول الاقتصاد المغربي أكد الملك محمد السادس في خطبة عيد العرش، أن "الاقتصاد المغربي يسجل أرقاما إيجابية".
وأوضح أن هذه الوضعية للاقتصاد المغربي تعززت بنتائج الموسم الفلاحي والذي يساهم في توفير المنتوج الوطني وإشاعة الطمأنينة لدى المواطنين، مشيرا إلى أن لجنة النموذج التنموي قامت بمجهود مشكور شاركت فيه هيئات الأمة بمختلف أنواعها والمجتمع المدني وعدد من المواطنين.
واعتبر العاهل المغربي تنفيذ هذا النموذج مسؤولية تتطلب مشاركة كل كفاءات وطاقات الأمة، خاصة تلك التي تتولى المسؤولية الحكومية والعمومية خلال السنوات القادمة.
وأضاف: "بصفتنا المؤتمن على مصالح الوطن والمواطنين سنحرص على مواكبة هذا التنزيل بما يلزم من إجراءات بالموازاة مع مبادراته التنموية على المستوى الداخلي، فإن المغرب يحرص على نفس العزم من أجل توطيد الأمن في محيطه الأفريقي والأورومتوسطي خاصة جواره المغربي".
العلاقات مع الجزائر
وبشأن العلاقات مع الجزائر قال الملك محمد السادس: "إيمانا بهذا التوجه فإننا نوجه الدعوة الصادقة للجزائر من أجل بناء علاقة ثنائية أساسها الثقة وحسن الجوار، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات ليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبولة من العديد من الدول".
وتابع: "قناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي ومبدأ قانوني أصيل تكفله المواثيق الدولية".
وزاد في شأن العلاقات مع الجزائر بالقول: "لقد عبرت على ذلك صراحة منذ 2008 وأكدت عليه عدة مرات في مختلف المناسبات خاصة أنه لا الرئيس الحالي للجزائر ولا أنا مسؤولان عن إغلاق الحدود، ولكننا مسؤولان سياسيا وأخلاقيا على استمراره أمام الله والتاريخ ومواطنينا".
وتابع: "ليس هناك أي منطق معقول يمكن أن يفسر الوضع الحالي لا سيما أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود أصبحت متجاوزة ولم يعد لها اليوم أي مبرر مقبول.. لا نريد أن نعاتب أحدا ولا نعطي الدروس لأحد.. إننا إخوة فرق بيننا جسم دخيل لا مكان له بيننا".
وأضاف العاهل المغربي بالقول: "من يقول إن فتح الحدود لن يجلب إلا المشاكل والشر للبلدين فهذا غير موجود ولن يصدقه أحد خاصة في عهد التواصل الرقمي".
وموجها حديثه للجزائر قال العاهل المغربي في خطبة عيد العرش: "أؤكد لأشقائنا أن الشر والمشاكل لن تأتيكم من المغرب، لأن ما يمسكم يمسنا وما يضركم يضرنا.. أمن وطمأنينة الجزائر من أمن وطمأنينة المغرب.. ما يمس المغرب يمس الجزائر".
وأردف: "المغرب والجزائر يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والاتجار في البشر، وهذا هو عدونا الحقيقي.. وإذا عملنا سويا على محاربتها سنتمكن من الحد من نشاطها وتجفيف منابعها".
وفي سياق كبير من خطبته للحديث عن العلاقات مع جارته الجزائر أكد عاهل المغرب أن أسفه للتوترات الإعلامية والدبلوماسية التي تعرفها العلاقات بين البلدين والتي تسيء لصورة البلدين وتترك انطباعا سلبيا لا سيما في المحافل الدولية.
ودعا إلى "تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا لتجاوز هذا الوضع المؤسف"، مضيفا: "المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين وإنما توأم متكامل".
وختم العاهل المغربي خطبة العرش بالقول: "أدعو تبون (الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون) للعمل سويا في أقرب وقت يراه مناسبا لتطوير العلاقات الثنائية التي بناها شعبانا".
عيد العرش
تحتفل المملكة المغربية، في 30 من يوليو/تموز من كل عام، بذكرى عيد العرش، التي تتوافق هذا العام مع مرور 22 عاما على تربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه.
ولحفل الولاء في المغرب مكانة كبيرة والعديد من المعاني الوطنية، إذ أقيم أول مرة تعبيرا من المغاربة آنذاك عن تشبثهم بالعرش العلوي، ووقوفهم إلى جانب السلطان محمد الخامس حينها، في وجه الاستعمار الفرنسي.
قصة عيد العرش، تعود لعام 1933 في أثناء الاحتلال الفرنسي المغرب ولم تكن المناسبة الأولى لعيد العرش مجرد احتفال بتنصيب ملك بل أرادها المغاربة مناسبة وطنية وفرصة لإظهار التفاف الشعب حول الملك.
منذ عام 1934 أصبح الاحتفال يأخذ طابعا رسميا ومؤسساتيا، فعيد العرش الذي فرض الشعب المغربي على الحماية الفرنسية إعلانه عيدا قوميا أصبح عيد تحدي الوطنيين الاستعمار الفرنسي، الذي أخفق في محاولة عزل السلطان عن شعبه ورعيته، مثلما فشلت تدابير القمع الاستعمارية في محاولة إخماد الحركة الوطنية في مهدها.
وافتقد المغاربة هذا العام عددا من الأنشطة والاحتفالات التي كانت ترافق الاحتفالات بعيد العرش المجيد، كحفل الاستقبال الموسع الذي كان ينظمه العاهل المغربي، والذي عوض باخر رمزي يقتصر على بضع عشرات بسبب تفشي فيروس كورونا.
وتسببت الجائحة أيضا في إلغاء حفل الولاء الذي يجدد فيه مختلف ممثلي الشعب المغربي البيعة والولاء للعاهل المغربي الملك محمد السادس، والذي يقام منذ 1934.