لم يعد لضجيجكم التليفزيوني والإذاعي، أو لما تنشرون صحفيًّا من أخبار ومقالات في خدمة السلطان، الكثير من الفاعلية
لم يعد لعبثكم الكثير من المتلقين، فلا معارضة السلطوية الحاكمة، ولا إدانة جرائم القتل خارج القانون والقتل تعذيبا في أماكن الاحتجاز الشرطية، والتعذيب والاختفاء القسري وحبس الأبرياء، ولا المطالبة بمحاسبة المسؤولين جنائيا وسياسيا عن انتهاكات الحقوق والحريات تتناقض مع رفض الإرهاب وإدانة جميع جرائمه، ومنها أخيرا القتل الآثم لأربعة من أفراد الشرطة في كمين المنوات القريب من منطقة سقارة بمحافظة الجيزة.
لم يعد لضجيجكم التليفزيوني والإذاعي أو لما تنشرون صحفيًّا من أخبار ومقالات في خدمة السلطان الكثير من الفاعلية؛ فشبكات التواصل الاجتماعي تنشر الحقائق، والمواطن الباحث عن المعلومة سيجدها على المواقع الإخبارية الإلكترونية، بل إن حيوية شبكات التواصل والمواقع الإلكترونية تفرض على إعلام الأذرع الأمنية التعامل مع التقارير المتداولة عن جرائم القتل تعذيبا وغيرها من الجرائم والانتهاكات، طالع الرأي العام في مصر أسماء "الضحايا الجدد" للقتل تعذيبا، طلعت شبيب في محافظة الأقصر، وعفيفي حسن في محافظة الإسماعيلية، وعمر أبو شنب في محافظة القليوبية، ولم يحل الصراخ الإعلامي "لا توجد انتهاكات"، أو التشويه الفاسد "لا يزعم وجود انتهاكات غير المتآمرين والخونة والعملاء"، وكلاهما ردد من قبل خدمة السلطان حين طلب منهم ذلك، دون مطالبة الناس في محافظات الضحايا وخارجها بمساءلة ومحاسبة أفراد الشرطة المتورطين.
وإزاء وقائع الظلم المتراكمة، ومع اقتراب قوائم أسماء ضحايا الانتهاكات من دوائرنا الشخصية والأسرية والمهنية، لم يعد تزييفكم لوعي الناس قابلا للاستمرار طويلا، لماذا تتعقبون الطلاب والشباب والعمال الذين يعارضون السلطة بسلمية؟ لماذا تخوّنون وتشوهون مصريات ومصريين يمارسون حرية التعبير عن الرأي ويريدون وطنا لا ظلم به؟ ما الذي حدث لتقاريركم المتعلقة بتقصي حقائق أحداث العامين الماضيين كارثية الانتهاكات؟ كم عدد المسلوبة حريتهم في السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى؟ جميع هذه الأسئلة وغيرها الكثير تطرحها قطاعات شعبية متزايدة، وتنتظر إجابات مباشرة عليها، وتمقت الصمت والتجاهل والتحايل بشأنها تماما كما تمقت توظيف مقولات "الإنجازات القادمة" وكأنها تمحو وقائع الظلم.
لم يعد لادعائكم الممجوج احتكار الحق الحصري للحديث باسم الوطنية ومصلحة مصر والدفاع عن أمنها القومي مصداقية تذكر، لا وطنية في التبرير الفاسد لانتهاك حق الناس في الحياة حين يقتلون خارج القانون أو يقتلون تعذيبا، تماما كما ينتفي الوازع الديني عن التبرير الفاسد للإرهاب وللعنف، لا مصلحة لمصر في توريط مؤسسات الدولة وأجهزتها في متواليات الظلم والقمع والتعقب والتنصت التي تذهب بالثقة الشعبية بها، وتصنع جمهورية الخوف التي لا مآلات لها غير الانهيار أو الانفجار، تماما كما تتناقض مصلحة مصر مع جرائم التعذيب والانتهاكات التي تصنع داخل السجون وخارجها بيئات حاضنة للتطرف والفكر الراديكالي، ومن ثم قابلية للإرهاب والعنف، ولا دفاع عن أمن مصر القومي يرتبط بسلب حرية الصحفي هشام جعفر الذي كرس طاقته الذهنية لبناء التوافق الوطني، والخروج من المعادلات الصفرية الراهنة التي تفرضها السلطوية الحاكمة والسلطوية البديلة في الانتظار.
ثقوا في طرحي، فأنا وفقا لأحدكم من "الخبراء الاستراتيجيين" أخطر رجل في مصر، خبيركم يصر على أنني نظمت مؤتمر جامعة جورج تاون عن الحركات الإسلامية في 2008، ودعوت إليه الدكتور محمد سعد الكتاتني، وسهلت له الحصول على تأشيرة السفر للولايات المتحدة الأمريكية، ومكنته من مقابلة مسؤولين أمريكيين، وللحقيقة أسجل أن المؤتمر نظمته جامعة جورج تاون، ودعيت إليه كمتحدث، ولم أتناول في محاضرتي (منشورة) ولا في مداخلاتي ما يسمى "كتائب الإخوان"، ولم يكن لي علاقة لا بتنظيم المؤتمر ولا بدعوة الدكتور المحترم الكتاتني ولا بتأشيرة سفره، ولم أنظم في حياتي لقاءات لأحد لا مع مسؤولين أمريكيين أو غيرهم، لكم سادة الأمس واليوم من كتبة التقارير في جمهورية الخوف، مجددا أؤكد لا جمهور دائما لكم.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة