منذ التشكيلة الوزارية الجديدة في دولة الإمارات تأكد مجددا أن دولة الحكمة الاستثنائية في العالم العربي تمضي قدما صوب المستقبل بخطى واثقة
منذ التشكيلة الوزارية الجديدة في دولة الإمارات، تأكد مجدداً أن دولة الحكمة الاستثنائية في العالم العربي تمضي قدماً صوب المستقبل بخطى واثقة، فيما تقدم للأشقاء العرب مساحة واسعة للنظر والتأمل في فرادة التجربة الإماراتية. تلك التي اختطت منذ بواكير نشوء الدولة درباً مغايراً لعموم النظام العربي، من خلال الدولة الاتحادية فريدة المثال، في الجغرافيا السياسية والمؤسسية العربية والتي استعصت على المنال في بقية أرجاء العالم العربي المكبّل بالمركزيات الفجّة، والاستدعاء التعسفي لنظام الدولة التاريخية البسيطة، والإقامة المديدة في منهج للحاكميات لا علاقة له بالأسماء والمسميات، فالجمهوريات العربية تكشفت عن أتوقراطيات اعتيادية مجبولة على تحويل الثراء إلى جفاف، واختلاط الأنساق المؤسسية بطريقة تفضي إلى تنافيات تراجيدية، فالسلطة السياسية تصادر المؤسسة، والمؤسسة تصادر المواطن، والمواطن ينتقم بدوره من المؤسسة، كما يعمد رؤوس المؤسسة النافذين إلى مخالفة الدستور والنظام والقانون.
هذا الاختلاط الفج بين مستويات السلطة والادارة والمشاركة تمت حلحلته مبكراً وإيجاباً في دولة الإمارات، من خلال المسافات الاجرائية الحكيمة بين هذه المستويات، التي جاءت استتباعاً تلقائياً، وترجماناً ناجزاً لإطلاق المبادرة الاقتصادية، وتوسيع ملعب المشاركة، وتحقيق التوازن المطلوب بين المصالح المتناقضة بطبيعتها.
الآن، وبعد النجاحات المشهودة على درب النماء والتطور المشهود، أطلقت الدولة وزارتين فريدتي المثال، وتستحقان من أي مراقب منصف وضع النقاط على الحروف، حول المقاصد الكبيرة لإطلاق وزارتي السعادة والتسامح، ومنذ أول وهلة يتضح أن مفهوم السعادة والتسامح يمثلان وجهي عملة واحدة، وأنهما بهذا المعنى يشكلان التتويج المنطقي لنجاحات العقود الماضية، ويعنيان في جوهر تجليهما المفاهيمي الوصول إلى منطقة التوازن المثلى في العلاقة بين الحق والواجب، وهذا المفهوم يوضح المغزى العميق لإطلاق وزارتين تتصلان، حصراً وأساساً، بالفرد النابع من أساس التوازن الناجم عن الفرصة المتاحة له في إعادة انتاج القيم المادية والروحية بكيفية توازنية.. أي تحقيق الذات الرائية العاقلة من خلال هذا الميزان الدقيق، وهو ميزان ما كان له ان يتحقق خارج التنمية الأفقية السابقة، والسلم الاجتماعي المعهود، والتباعد التام عن مواقع التطرف والغلوّ، بأنماطه وأشكالها.
بهذه المبادرة الاستباقية الشجاعة تواجه الإمارات إكراهات الزمن المعاصر والقادم، فالعالم اليوم يشهد تحديات غير مسبوقة، والواقع الافتراضي المحلق على جناح الخيال والتفلت ينبري كالتنين في مواجة العقل والمنطق، ودعاة التطرف والجنون يخرقون سياقات المكان والزمان، والإنسان الفرد يتعرض إلى موجات عاتية من العواصف النفسية والأخلاقية المدمرة.
ولهذه الأسباب مجتمعة سارعت الحكمة الإماراتية في الاستباق واجتراح هاتين المأثرتين الوزاريتين، في تأكيد متجدد على أن البدايات السليمة تمثل المقدمات الكبرى للسير على درب المعاني النبيلة، وبهذا المعنى تنفرج مروحة النظر في أمر الوزارتين، باعتبارهما معياراً معنوياً ودلالياً للأداء العام في مجالات التربية والإعلام والقانون، وبما يرتقي بالنجاح المؤسسي، حد الاستباق المنهجي لما سيأتي غداً، أو بعد غد.
نقلاً عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة