الأمة اليوم، في الشرق والغرب، وفي الداخل والخارج في حاجة إلى إشاعة ما يروج للعيش المشترك
الأمة اليوم، في الشرق والغرب، وفي الداخل والخارج في حاجة إلى إشاعة ما يروج للعيش المشترك، وما يعظم الأفكار ولو اختلفت، وبدون ذلك سنتصور خطأً أن نظرية "صراع الحضارات" حقيقة، وفي محلها
"العولمة" كمصطلح عالمي، له ما له، وعليه ما عليه، وقد استهلك الناس، في شرق الدنيا وغربها هذا المصطلح كثيرا، بفهم وبدونه؛ وفي أوروبا تعايش المسلمون مع غيرهم في سلام إلى ما قبل السنوات الأخيرة التي عكرت أو تكاد أن تعكر صفو حياتهم.. هذان الأمران عالجهما فضيلة رئيس مجلس حكماء المسلمين، شيخ الأزهر الشريف، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، عندما تحدث مؤخرا في باريس، أمام جمع من أصحاب الديانات المختلفة، بمناسبة إطلاق الملتقى الثاني للحوار بين حكماء الشرق والغرب، ووجدتُ في عيونهم إعجابهم الشديد بما قيل، وارتياحهم التام، وتعطشهم للمزيد من هذا الكلام الواعي والدقيق، والمعبر عن حقيقة الإسلام وطبيعته المُنفتحة..
هناك في العاصمة الفرنسية دعا فضيلة الشيخ في خطابه العالمي إلى بديل جديد للعولمة، سماه: "الزمالة العالمية" ـ "التعارف" ـ ووصفها بأنها هي التي تحترم تنوع الثقافات الدينية، واللغوية، والفكرية، وهي التي تفرض علينا أن نعيد نظرتنا في فهمنا للغرب لتوظيف المشترك الإنساني، وهي التي تنظر إلى العالم كله على أنه مجتمع واحد تتوزع فيه مسؤولية الأمن والسلام على الجميع؛ مؤكدا على أن العولمة المسيطرة حاليا على المشهد العالمي تسعى بالبشرية على طريق الصراع العالمي، من خلال تدمير هويات الشعوب وسماتهم التي منحهم الله إياها، وأن العدل والمساواة والأخوة بين البشر هي حدود كونية لله على هذه الأرض.
هناك أيضا دعا الشيخ الجليل المسلمين في أوروبا إلى أن يعوا جيدا أنهم مواطنون أصلاء في مجتمعاتهم، وأن المواطنة الكاملة لا تتناقض أبدا مع الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية، وأن الأوان قد آن لننتقل من "فقه الأقليات"، إلى "فقه الاندماج"، الداعي إلى التعايش الإيجابي مع الآخرين، وأن القوانين الأوروبية التي تتعارض مع الشريعة لا ينبغي أن تكون حاجزا يؤدي إلى الانعزال السلبي والانسحاب من المجتمع، وأن النظرة للغرب لا بد أن تكون موضوعية، ومبنية على مبدأ التأثير والتأثر؛ فلم يعد أي من الشرق والغرب اليوم بمعزل عن الآخر، فكلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به.
أختم بأن الأمة اليوم، في الشرق والغرب، وفي الداخل والخارج في حاجة إلى إشاعة ما يروج للعيش المشترك، وما يعظم الأفكار ولو اختلفت، والثقافات وإن تباعدت؛ وبدون ذلك سنتصور خطأً أن نظرية "صراع الحضارات" التي جاء بها الأميركي (صامويل هنتنجتون) حقيقة، وفي محلها، وأنها غير مغلوطة، وغير مشوشة، وغير مغرضة، وننسى أن خالقنا ـ سبحانه وتعالى ـ قال في محكم آياته: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم}.
نقلاً عن "الوطن"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة