اورلاندو تلك المدينة التابعة لولاية فلوريدا تحتل المرتبة السادسة من حيث عدد المسلمين بحسب جمعية الإحصاءات للمنظمات الدينية الأمريكية
كان ﷲ في عون المسلمين حول العالم من هول ما يصنع بهم أولئك الذين يدعون الإسلام، ويرتكبون الجرائم البشعة باسمه، بعد أن غدت رؤوسهم وكراً لآفات الظلال، أو أولئك الذين اتخذوا من العداء لدين الإسلام والتخويف منه ومن أتباعه منهجاً، لوصم المسلمين بالتطرف والإرهاب، وكلا الفريقين يغذي بعضهم بعضا بالمبررات والذرائع، وإن بدا كلا االفريقين متنافرين يناصبان بعضهما العداء في الظاهر، إلا أن النتيجة واحدة، فالمحصلة النهائية التي يشتركان فيها هي الافتراء على الدين السمح الحنيف، ويلصقان به وبالمسلمين تهمة الإرهاب والدموية .
فلم يعد المسلم يعلم ماذا بمقدوره أن يفعل ليواري سوءة ما صنعوا بحق الإسلام وبحق البشرية !!
أيخشى المسلم على نفسه من حاقدٍ قُتل ذووه في انفجارٍ إرهابي أو إطلاق نارٍ مسلح أو طائرة مخطوفة انتهى بها المطاف إلى أشلاء لا يُعلم أولها من آخره، أم يخشى على دينه من أن ينْفُر منه البشر ويسيؤوا له قولاً وفعلاً، فتضيق بالمسلمين الأرض بما رحبت، بسبب مجرمٍ في غالب الأحيان يدعي انتماءه للإسلام !!
وقد يقول قائل؛ إن هناك أعمالا ارهابية ارتكبها غير المسلمين، وأقول؛ نعم، قد تشابهت قلوبهم، وجميعهم إرهابيون لا يقلون درجةً في الدناءة عن نظرائهم من أي ديانة كانت أو مذهبٍ أو طائفة، فالإرهاب لا دين له ولا وطن ولا زمن .
اورلاندو تلك المدينة التابعة لولاية فلوريدا التي تحتل المرتبة السادسة من حيث عدد المسلمين فيها بحسب جمعية الإحصاءات للمنظمات الدينية الأمريكية، فلوريدا التي يصدح بها مسجد الرحمن بالأذان خمس مراتٍ كل يوم وتقام فيه صلاة الجمعة التي يحضرها 200 مسلم وتؤمن لهم الشرطة الأمريكية الحماية لتأدية عبادتهم بكل أمنٍ وأمان، قد أمست حزينة بعد أن كافأها مسلح أمريكي من أصول أفغانية يبلغ من العمر ثلاثون عاماً بأن قام باقتحام ملهىً ليلي وقتل 50 شخصاً تصرخ أرواحهم -بأي ذنبٍ قتلت- ودماء ما لا يقل عن 53 مصاباً تسيل ولسان حالها :
أي معتقدٍ يعتقده أتباع هذا الدين فيسفكون دماءنا بدمٍ بارد ؟!
وفي الوقت ذاته ما لبث أن تلقف الكُرة متطرفون من الجانب الآخر، ليستلموا زمام الهجوم على الإسلام، فيكيلوا الاتهامات بالإرهاب والتطرف والعنف للإسلام وعموم المسلمين، بعد أن وجدوا ضالتهم فيمن أعطاهم بحماقته وجنونه وجريمته الفرصة الكاملة لإثبات ما عجزوا عن إثباته قروناً طويلة في الكيد للإسلام والمسلمين .
ولو أن هذا الإرهابي البغيض تفكر في هؤلاء الذين قتلهم، وكيف أن الإسلام حرص على دعوتهم إلى الدخول في دين الله ﷻ لينعموا بالراحة والطمأنينة في الدنيا، وبجنة عرضها السمٰوات والأرض في الحياة الآخرة، لا أن تزهق أرواحهم دون ذنبٍ جنته أيديهم، ولو أنه تفكر في عظمة هذا الشهر الفضيل ونحن في العشر الأوائل منه، عشر الرحمة التي يلتف فيها الناس حول بعضهم البعض، فيظهرون سماحة الإسلام وعلوِ شأنه على غيره من الديانات، وأنه دين الحق والرحمةِ والسلام ومن دخله كان آمناً في جسده وعرضه وماله .
وكما هي العادة التي سار عليها تنظيم القاعدة في نهايات القرن الماضي، وخلَفَهُم من بعدها تنظيم داعش الإرهابي، اذ سارع الأخير إلى تبني العملية الدنيئة، ليفتل عضلاته متباهياً بأنه قد وطئ بقدمه صدر العم سام، ويصور نفسه على أنه عازمٌ على محاربة الكفر ونشر الإسلام بالسيف والدم !! وما الشام والعراق عنده، إلا ميدانٌ لقتال المنافقين واستعداد لأم المعارك !!
يسوق داعش القبيح لذاته بأبشع الصور التي اتخذت من الهمجية والوحشية طابعاً لا يكاد يفارقه، علّه بهذه الدعاية يكسب مزيداً من الأتباع، الذين منّ ﷲ على معظمهم بأن ولدوا مسلمين، والذين لو أنهم وَضعُوا أنفسهم موضع غيرهم ممن لا ينتمون إلى دين الحق، لتمنوا أن يُدعون إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالقتل والتفجير .
سيبقى الإسلام ديناً يرفض العنف والإرهاب وستبقى الوسطية منهجاً يسلكه السواد الأعظم من أبناء دين الرحمة والعطف واللين وستبقى آية ﷲ خالدة إذ قال عز من قائل :
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
الكافرون الآيه 6
وسيبقى الإرهاب ديدن من لا دين ولا ضمير ولا حياة له، ومهما كانت الأسباب والدوافع التي زجت بالإرهابي "عمر متين" إلى قتل الأبرياء فإنها غير مبررة أبداً وغير مقبولة بتاتاً لا في شريعة الاسلام، ولا حتى في منطق الحياة الطبيعي، ولا يمكن مطلقاً أن يتقبلها دينٌ أو عقل أو منطق .
ليْتَ "عمر متين" كان قد أخذ من اسمه الأول قدوةً له في نصرة الإسلام، ونشره بالطريق الصحيح، وليت همّه كان قد تمخض عن كيفية إدخال هؤلاء الأبرياء إلى الجنة، بأن يكون آخر قولهم في هذه الحياة الدنيا "أشهد أن لا إله إلا ﷲ وأشهد أن محمداً رسول ﷲ "
ألا ليته أدرك قوله ﷻ :
مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
المائدة الآية 32
كان ﷲ في عون الأبرياء من ظلم جهلةٍ أغبياء، جعلوا من أنفسهم دمى يحركها رؤوس الإرهاب، أعداء الإنسانية تجار الدم، كيفما شاؤوا وباسم الإسلام وهو براءٌ من أعمالهم ووحشيتهم براءة الذئب من دم يوسف.
يقول أبو الوليد محمد ابن رشد الأندلسي :
إذا أردت أن تتحكم في جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ٍديني !!
تعازينا إلى كل بريءٍ فُجع بفقد حبيبٍ لا ذنب له سوى أنه وقع أمام جاهل ظن أنه على حق وغيره على باطل، واعتقد مخطئاً أنه لا جزاء للباطل سوى القتل والتدمير !!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة