ليست سوريا سابقة بين الدول العربية التي تعرضت إلى كوارث اقتصادية واجتماعية، جراء الأزمة التي تداخلت فيها أزمات الحكم والنظام
ليست سوريا سابقة بين الدول العربية التي تعرضت إلى كوارث اقتصادية واجتماعية، جراء الأزمة التي تداخلت فيها أزمات الحكم والنظام مع مجموعة لا يستهان بها من الأزمات الإقليمية والدولية ذات الصلة.
ومهما تكن الأرقام الاقتصادية مرعبة، لجهة إعادة البناء وردم الثغر، إلا أن التداعيات الاجتماعية، تبقى هي الأخطر والأكثر كلفة، وهي في ذات الوقت غير مضمونة النتائج مستقبلاً، على اعتبار أن إعادة البناء الاجتماعي، تستلزم مقومات من الصعب حصرها وضبطها، وحتى التيقّن من إمكانية الوصول بها إلى نتائج عملية واضحة ومؤكدة، ذلك مقارنة بالجانب الاقتصادي الذي لا يقل صعوبة.
فبحسب تقرير المركز السوري لبحوث السياسات، الذي أنجز بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصل الاقتصاد السوري إلى مستويات مريعة، فقد سجلت الأرقام الاقتصادية منذ بداية الأزمة وحتى نهاية العام 2015 خسائر بنحو 255 مليار دولار أمريكي.
وتتضمّن هذه الخسائر خسارة الناتج المحلي الإجمالي 64%، وخسائر رأس المال 27% والإنفاق العسكري 5.7%.
ومهما يكن أمر دلالات هذه الأرقام الاقتصادية المرعبة، تبقى الآثار الاجتماعية، أشد هولاً وخطورة على البنى الاجتماعية.
إذ إن نسبة العاملين في الأنشطة غير الشرعية بحسب التقرير، بلغت حدود 17%، وهي مرتبطة بسلوك نفسي - اجتماعي قائم على سلوك العنف الذي كاد أن يكون معمماً وقابلاً للتوطن الاجتماعي، بفعل تأثير عوامل تسلط الأمر الواقع، التي أجبرت شرائح اجتماعية واسعة على القيام بمزاولة التهريب والاحتكار والسرقة والنهب وتجارة الأسلحة والاتجار بالبشر، وغيرها الكثير من الأعمال غير القانونية.
إن أول التداعيات الاجتماعية ذات الطابع الكارثي، برزت في موجات اللاجئين في الداخل والخارج، علاوة على النزوح الإرادي والإجباري، ما أسهم في عمليات التفكك الأسري، وانتشار الأوبئة النفسية التي تترجم عادة بمزيد من الأفعال غير السوية التي تتماثل مع السلوك الإجرامي.
فقد وصل عدد اللاجئين إلى 3.11 مليون شخص في العام 2015.
ووصل عدد النازحين إلى 6.36 مليون.
ووصلت نسبة النازحين في الداخل إلى 45%، بحثاً عن الأمن والاستقرار غير الموجود أصلاً.
ووصلت النسبة ذاتها في معدل التسرب المدرسي، بمن فيهم الأطفال الذين وصلت نسبهم إلى 42% وبخاصة في المناطق التي تشهد نزاعات حادة في الشمال الشرقي، حيث يجبر الأطفال على الالتحاق بالجماعات المسلحة، إذ وصلت النسبة إلى 95% في الرقة ودير الزور، حيث يسيطر تنظيم «داعش».
أما الأرقام المتعلقة بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والمتمثلة بمستوى الفقر، فقد وصلت إلى نسب قياسية بين دول العالم الثالث، حيث سجل معدل الفقر 86%، ما يعني القضاء على الطبقة المتوسطة التي تعتبر دعامة النمو الاجتماعي والاقتصادي.
إن التدقيق في تلك الأرقام، يظهر أن سوريا ببناها الاقتصادية والاجتماعية، قد وصلت إلى مستويات مرعبة وكارثية، وأن نتائجها وتداعياتها من النوع الذي يستلزم جهوداً خارقة ولعقود قادمة كي تعود إلى النسب التي كانت قبل انطلاق الأزمة، أما شروط إعادة البنيان الاجتماعي - الاقتصادي، فعلى الأرجح لن تكون سهلة أو قريبة المنال، بفعل تشابك عناصر الأزمة وتشعباتها الداخلية والخارجية، الأمر الذي سيزيد من معوقات الحل، وإمكانية إيجاد الأسس القابلة للانطلاق والبناء عليها.
أما الأخطر من ذلك كله، فهو سرعة انتشار هذه التداعيات السلوكية الاجتماعية إلى الدول التي نزح إليها ملايين السوريين في الدول المجاورة، وكذلك الأوروبية وغيرها.
*نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة