من المجدي والعقلاني أن ترى الجمال وتشعر بالرضا والامتنان على كل أمر يمر بك في حياتك، ومهما كان جيداً أو سيئاً فأنت على قيد الحياة
بالنسبة لي كمسلم الأمر واضح: خلقني الله لعبادته وتعمير الأرض، وهو غني عن عبادتي وتعميري للأرض، ولكن يبقى السؤال لماذا خلقني؟ ولا توجد أجوبة عقلية منطقية للإنسان الذي لا يؤمن بدين سماوي، بل العديد ممن يؤمنون بالأديان السماوية الإجابة لا تشفي غليلهم المعرفي، وخاصة فيما يتعلق بجوهر الحياة، ويسعى الإنسان طوال حياته أن يصل لمرحلة اليقين المطلق والإيمان الذي تهدأ به النفس وترضى بقسمة الله وما كتب لها.
فنحن نتحدث بأسلوب مثالي يكذبه واقع الكثيرين منا، ويصدقه واقع قلة منا كبشر، المرء يعمل جاهداً طوال عمره ومن دون توقف لكسب لقمة العيش وتحقيق الذات والوصول للطموح ولجعل أهدافه تتبلور على أرض الواقع، وفي هذا الخضم يجد نفسه تائهاً وبعيداً عن الرحلة والأهداف الداخلية التي ستقرر مصيره الأبدي وبدون مثاليات يجد كل واحد منا كجنس بشري قلبه وعقله مليء بأمور لا تخدم سوى تمحور الإنسان حول ذاته والأنا العليا التي يغذيها بشتى الوسائل، ويحقد ويكره ويكذب ويضر ويتكلم بالسوء على الآخرين، ويظلم ويجد ألف مبرر لظلمه للآخرين، بل يقنن هذا الظلم أحياناً.
ولذلك يمر عليك في بعض الأوقات أشخاص ملتزمون بالدين، ويحاولون تطبيق تعليماته بحذافيرها، ولكنهم في غاية السوء من حيث التعامل مع الآخر، ولا ترتاح نفسك لهم البتة، بل يجعلونك تشعر بالضيق، كون هناك طاقة سلبية كبيرة صادرة منهم، وفي المقابل قد تجد شخصاً آخر لا يؤمن بأي دين وتجد نفسك مرتاحاً له، ولا تريده أن يفارقك، وتشعر بطاقته الإيجابية وبالطيبة الشديدة التي تظهر في كل كلمة يقولها أو تصرف يصدر عنه!
فمعظمنا كبشر نحرص على القيام بكل ما يجعلنا سعداء، أو الوصول لتلك النشوة التي نسميها سعادة، مع أنها وقتية وتزول، وقد تتبدل لحزن فجأة من غير أن نعرف السبب، إذ لا يمكن أن تكون هي جوهر الحياة، كون هناك إنسان يبدو لكل الناس، وحتى لنفسه أنه في قمة السعادة، وعندما يخلد للنوم تجده يتحسر على حياته، ويشعر بأنه تافه ولا معنى لحياته، والعكس قد يكون صحيحاً، فالجوهر الحقيقي للحياة يعتمد على الطريقة التي تنظر بها إلى الحياة، وألا تمضي حياتك تحاول أن تثبت نفسك لنفسك أو للآخرين أو حتى لخالقك، فهو ينظر إلى قلبك ونيتك ولا يعنيه زخرفة الحياة الدنيا والهالات التي تحيط بها حياتك، وللبعض الآخر الجوهر من الحياة الحصول على كل شيء من المال والبنين وكل متع الدنيا، ولكن عندما يجلس مع نفسه تراه يبكي من الداخل، ويقول لنفسه ما هذه الحياة التعيسة لدي كل شيء، ولا أستطيع أن أبقيه معي للأبد، ولا أن أبقى في أوج شبابي وقوتي إلى الأبد!
وآخرون يعتقدون أن السعادة تكمن في أشياء كبيرة، وسوف يسعون دائماً إلى تحقيق النجاحات وجعل الكل يشير إليهم بالبنان، ولكن يرددون في الأعماق: "ماذا بعد وهل سنعيش غداً أم نذهب من الدنيا، فنحن لا نملك أقدارنا، وكثيرون هم من رحلوا عن الدنيا من دون سابق إنذار، وبلا مرض ولا علة.. ولكنهم فقط رحلوا. "
إذاً تمتع بما لديك وكن ممتناً له، ولا تجعل الحصول عليه من عدمه مقياساً لمن تكون أنت، ولا تتمسك بالأمور الدنيوية لدرجة تكون هي قيمتك في الحياة، ومن المجدي والعقلاني أن ترى الجمال وتشعر بالرضا والامتنان على كل أمر يمر بك في حياتك، ومهما كان جيداً أو سيئاً فأنت على قيد الحياة، ومُنحت نعمة تذوقها وهي محطة ستقف فيها وأنت في طريقك للحياة الحقيقية، فلا تجعل جل وقتك وهمك في حياة وهمية لا تملك مقدار ذرة فيها، وكل ما لديك ذاهب لغيرك، وتنسى أو تتجاهل وجهتك الحقيقية، فالجنون ألا تترك الدنيا قبل أن تتركك، وترك الدنيا لا يعني ألا تعيشها بالطول والعرض، ولكن ترك ما لا تريد أن يراك عليه خالقك، وأنت بسوء نية وهو ليس في قلبك، فالعاصي الذي يحمل الله في قلبه ويشعر بالندم على كل معصية ويتوب، وإن كان سيكرر العمل خيراً في وجهة نظر العديدين من شخص لا يعصى الله، ولكنه يفعل كل ما يفعل طمعاً في المكافأة أو خوفاً من العقاب وليس حباً في الله.
" نقلاً عن جريدة الاتحاد "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة