السؤال «مجحف»، والدليل أن الشعب السوري لم يضحِّ إلا بحوالى ثلاثمئة ألف شهيد، دفاعاً عن فردوس «البعث» الذي لم يهتدِ إلى نعيم الاستقرار
هو سؤال «مجحف»، والدليل وقائع عديدة في بقاع كانت دولاً عربية ذات سيادة وحدود، قبل أن «ترتمي» في أحضان «الحرس الثوري» وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي كالشبح في ترحاله «الأسطوري»، من الفلوجة إلى حلب، إلى... حيث تطلبه الجماهير المتعطشة لديموقراطيات، لم يخدش حياءها سوى مجانين ووحوش.
السؤال «مجحف»، والدليل أن الشعب السوري لم يضحِّ إلا بحوالى ثلاثمئة ألف شهيد، دفاعاً عن فردوس «البعث» الذي لم يهتدِ إلى نعيم الاستقرار إلا على أيدي «الحرس الثوري» المقاوم... وهو ما زال يقاوم أكثر من «شيطان» يسيء النية بالنظام السوري الذي يُجحَف حقه حين يتهمه بعضهم ببيع شعبه لإنقاذ القصر، ثم بنحره لأن فرز «التكفيريين» مهمة مستحيلة.
ولماذا نرضى بالشعوبية ونكره إيران، ونتمرّد على «المرشد»؟... أليست الفلوجة و «الحشد الشعبي» أمثولة عن «تطهير» الشعب العراقي، كضرورة لتطهير أرضه؟
ولماذا نشكك في نيات قاسم سليماني الحاضر دائماً، متطوعاً حيث يطلبه عرب كلما أحسوا بحيف، مجرِّداً جيوش الخبراء الإيرانيين، لا لطمع بشيء، بثروة أو أرض أو هيمنة، فطهران مجرد جمعية خيرية تعنى بالأيتام، ولكن بعد يُتْمهم حتماً... ومَنْ يدري لعلنا نرى قائد «فيلق القدس» في باب المندب قريباً، بعدما استمرأ الحوثيون المشاورات مع وفد الحكومة اليمنية.
ولماذا نُجحِف إيران ومرشدها حقهما، أليس لبنان مثالاً ساطعاً على نجاح تجربة «الأخوّة» بلا معاهدات، وازدهار الاستقرار، ونعيم السياحة والمال والعمل، حتى في ظل غياب رأس للجمهورية؟ وللإنصاف يستحق لبنان أن يكون مثار حسد لدى السوري والعراقي واليمني، الذين ما عليهم إلا أن يواظبوا إخاءً مع المرشد وقاسم سليماني... بل أن ينصحوا حيدر العبادي بوقف حملات التشكيك في إخلاص الأجنحة الإيرانية في العراق التي تستخدم الفساد لتمويه المعركة الحقيقية مع «الجهاديين» و «التكفيريين».
ما على الحوثيين إلا أن يتشبثوا بالاتكال على «حكمة» طهران، و «تلهّفها» على استقرار اليمن واستعادة سعادته، ما عليهم إلا الاقتداء بالنموذج اللبناني: لا الحكومة حكومة ولا البرلمان قبة التشريع، ولا القصر ملّ غياب ساكنه. صحيح أن الجميع يجتهد بامتياز لمطاردة التكفيريين وأشباح «أبو بكر البغدادي»، وأن قاسم سليماني مطمئن إلى الواحة اللبنانية، لكنّ الصحيح أيضاً أن الجمهورية أوغلت بعيداً في مرحلة الموت السريري... وهذه لا ينفع معها مؤشر ازدحام الفنادق، ولا الحوار الصامت.
ولكن، هل يكفي ذلك مبرراً لنكره إيران؟
لـ «الإنصاف» أيضاً، كل ما فعله قائد «فيلق القدس» قبل يومين أنه كشف علناً رغبة طهران في إلحاق البحرين بـ «الهلال الشيعي»، توعّد وهدّد بعد إسقاط الجنسية البحرينية عن عيسى قاسم موازياً بين مصير رجل دين ومصير بلدٍ ذي سيادة. وواضح كالعادة أن إيران ستنبري بالحجة دفاعاً عن «المظلومين»، وتنصّب نفسها وصيّاً على كل رجال الدين الشيعة في العالم العربي، بل على كل الشيعة العرب. والتهديد الإيراني بالدماء ليس من شأنه إلا أن ينقل الصراع المذهبي في المنطقة إلى ذروة جديدة، ويقدّم مثالاً صارخاً عن كيفية توجُّه طهران إلى ما سمّته الصفحة الجديدة في سياستها الخارجية.
لن يجدي بالطبع سؤال عن تحمُّل سليماني أو المرشد علي خامنئي أي تدخُّل عربي في شأنٍ يعني السيادة أو القضاء في إيران. والأكيد أن «الجمهورية الإسلامية» التي تتمسّك بطموحاتها الإقليمية، باتت محشورة في زاوية الارتياب بالحليف الروسي في المنطقة بعدما توهّمت بأنه يتدخّل لحسابها نكاية بـ «الشيطان» الأميركي. فلا «الشيطان» بات من «الملائكة» على يدي الكرملين، ولا الكرملين يريد الشرق الأوسط الجديد «إمبراطورية الجمهورية الإسلامية».
قد يفسر كل ذلك، والخيبة الإيرانية من معركة حلب وحسابات الروس، التوتُّر العالي في طهران الذي عبّر عنه «البطل الشبح» قاسم سليماني، متوعّداً بنار في الخليج، بعد إسقاط جنسية عيسى قاسم. والمعضلة الأكبر مع إيران تعيدنا إلى المربع صفر، فلا هي ثورة تنتهي في دولة، ولا هي دولة تتعايش مع العالم، وتدافع عن حدودها.
ما عجزَت عنه هو أن تقاتل بدماء البحريني، مثلما تفعل بالدم السوري والعراقي واليمني... ونجحت بالدماء الفلسطينية في غزة.
لماذا نكره سياسة إيران؟ سؤال مجحف؟
نقلا عن / الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة