الناحية السياسية فقد يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي إلى مطالبة إسكتلندا بالاستقلال عن بريطانيا
دخلت بريطانيا منظومة الاتحاد الأوروبي متأخرة كثيرًا، فقد كان ذلك في عام 1973 أي بعد مضي ستة عشر عاما على قيامه في عام 1957، بعد ان واجهتها بعض الاعتراضات من الدول المؤسسة كفرنسا على وجه الخصوص. اما إلىوم فإن بريطانيا العظمي تستعد للخروج المحتمل من مظلة الاتحاد الاوروبي بعد الاستفتاء المزمع في 23 يونية الجاري، الذي قد يتسبب في العديد من التقلبات والضغوطات على منطقة إلىورو خاصة في القطاع المإلى البريطاني الذي سوف ينعكس في تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي على منطقة إلىورو وسيؤدي بدوره الى زيادة الضغوطات على أنظمة أوروبا المإلىة وتأثر الأسهم الأوروبية كذلك بتأثر النمو وتراجعه. اما أسباب ذلك فيمكن توضيحها فيما يلي:
اولا: اقتصاديا:
(١) هناك احتمالات قوية بتأثر التجارة بين أوروبا وبريطانيا كونها، اي بريطانيا تعتبر شريكا تجاريا مهما وفاعلا للاتحاد الاوروبي اذ يشكل اجمإلى الصادرات الأوروبية لبريطانيا 3% من الناتج المحلي الاجمإلى حسب أحصائيات الفترة ما بين عامي 2010-2014 في المتوسط.
(٢) التأثير السلبي المحتمل في الميزان التجاري بين أوروبا وبريطانيا الذي تتمتع فيه أوروبا بفائض كبير بسبب تجاوز الصادرات الأوروبية على وارداتها من بريطانيا.
(٣) قد يتسبب فشل حصول بريطانيا على ميزة الجواز المإلى ـ وهي تسهيلات وأولويات - في ظهور فرص جديدة لشركات منافسة من دول الاتحاد الاوروبي، اذا علمنا ان بريطانيا تمتلك حصة كبرى في خدمات إدارة الأصول الأوروبية التي بلغت حصتها في نشاط السوق الاستثماري 75% و80% من أصول صناديق الاحتياط.
(٤) احتمالات قوية جدا بتدهور التنظيمات والقوانين المالية للاتحاد الاوروبي بسبب ما تتمتع به بريطانيا من خبرة تاريخية في تنظيم الأنشطة المالية وبلوغها دورا مهما داخل مظلة الاتحاد الاوروبي.
ثانيا: سياسيًا وأمنيًا:
(١) من الناحية السياسية فقد يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي إلى مطالبة إسكتلندا بالاستقلال عن بريطانيا، اذ تعتبر عضوية بريطانيا في الاتحاد احد أسباب فشل الاستفتاء الذي جرى عام 2014 بشأن استقلال إسكتلندا، لذلك فإن السيناريو المتوقع في حال خروج بريطانيا من الاتحاد سيؤدي إلى مطالبة إسكتلندا بالانفصال والتوجه للدخول في عضوية الاتحاد الاوروبي كدولة مستقلة ذات سيادة.
(٢) سيؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي إلى فتح الباب للعديد من الدول الآخرى للخروج من الاتحاد الاوروبي وستظهر كذلك التحركات والدعوات المضادة للاتحاد الاوروبي والمؤيدة للخروج منه، إلى جانب زيادة قوة الأحزاب المشككة في الاتحاد الأوربي على مستوى القارة الأوروبية.
(٣) اما من الناحية الأمنية فإنه سيؤدي إلى انهيار نظرية الأمن الأوروبية في حماية حدودها الشرقية من العدو المفترض (روسيا ) القائمة على أساس فتح باب العضوية امام عدد من دول أوروبا الشرقية المتاخمة او الملاصقة حدودها لروسيا، على اعتبار انها الخطوط الأمامية للدفاع عن أمن اوروبا وقلبها الذي يتمثل في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من أية اعتداءات خارجية او حرب محتملة في المستقبل مع روسيا، التي تشهد العلاقات معها حاليا توترا ملحوظا بسبب الأزمة الاوكرانية وانضمام أوكرانيا للاتحاد الاوروبي التي تعكس نظرية الأمن الاوروبي مع روسيا.
ان خروج بريطانيا المحتمل من مظلة الاتحاد الاوروبي قد يمكنها في الجانب الآخر من النجاح في مفاوضاتها الثنائية مع مجلس التعاون للوصول إلى شراكة ثنائية متميزة، حيث ان تراجع الجنيه الاسترليني سوف يؤدي بلا ادني شك إلى زيادة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا. فقد عملت بريطانيا على فتح حوار استراتيجيا مع مجلس التعاون بعد ان وجدت ان مصالحها مع دول المجلس التي تعتبرها منطقة نفوذ تجاري واقتصادي تاريخي يعود إلى الفترة التي فرضت فيها عددا من معاهدات الصداقة على المشيخات الخليجية منذ عام 1899 الذي تعهدت فيه والتزمت بعدم قبول وكيل او ممثل اي دولة او حكومة من دون موافقة الحكومة البريطانية وكذلك عدم التنازل او بيع او رهن اي جزء من أراضيها دون أخذ الموافقة المسبقة للحكومة البريطانية.
لقد بدأ الحوار الخليجي البريطاني في سبتمبر عام 2011 على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك وكنت رئيسا لوفد البحرين المفاوض إلى جانب الوفود الخليجية الآخرى للاتفاق على خطة العمل المشترك التي تسعى إلى ترجمة الأهداف المشتركة وفق خطوات عملية ملموسة تحقق المصالح المشتركة والأهداف الاستراتيجية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة وتشجيع التبادل التجاري والاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والتبادل العلمي والثقافي. وعقدنا مع البريطانيين عددا من جولات التفاض بين لندن والرياض، كان آخرها جولة الحوار بين الجانبين في 29 مايو 2016 في جدة بالمملكة العربية السعودية التي أكدت على الإرادة التي تجمعهما لتعزيز علاقات الصداقة الراسخة والمضي بها نحو تحقيق شراكة استراتيجية مثمرة يتم استثمارها لتحقيق المصالح المشتركة التي تسعي إليها بريطانيا في إطار توجهها المحتمل للخروج من الاتحاد الاوروبي الذي أكده وزير الخارجية البريطاني هاموند في اجتماع جدة الأخير بالقول نصا: «لقد اصبح التعاون الدولي في غاية الأهمية لضمان الأمن والأزهار في بريطانيا في عالم يزداد خطورة يوما بعد يوم، وعلاقات بريطانيا مع دول الخليج تمكننا من العمل معا لمواجهة التحديات الإقليمية والتهديدات المشتركة سواء التطرّف والعنف أو الارهاب أو الظروف الاقتصادية المتقلبة».
فهل يؤدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي او خروجها منه إلى اعادة تأسيس أوروبا؟ وذلك بالتوصل إلى تحالف بين الامم الأوروبية قد يؤدي إلى نظام دولي جديد ومرحلة جديدة في بناء العلاقات بين الدول الأعضاء في الامم المتحدة !! التي لم يعد ميثاقها -الذي وضع عام 1945- ملائما أومواكبا للعصر الذي يمر بالكثير من التطورات والاحداث والمتغيرات التي تتطلب فعلا اعادة تأسيس الامم المتحدة وقيام نظام دولي جديد يضع في الاعتبار توازنات القوة ومناطق المصالح والعمق الاستراتيجي والدفاع عن المصالح القومية القائمة وحسم الصراعات بين الامم وتحقيق الأمن والسلم الدوليين.
*- نقلاً عن جريدة "الأيام".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة