تحارب بكين بشراسة للمحافظة على تحكمها بأهم موقع في بحر الصين الجنوبي، تعبر من خلاله ثلث الشحنات البحرية العالمية
في الأشهر القليلة الماضية وقعت عدة معارك صينية أميركية نستطيع أن نصفها بالحرب الباردة بين أقوى دولتين اقتصاديتين في العالم، أقوى المعارك حدة هي معركة بحر الصين الجنوبي التي اشتعلت بعد قيام طائرة تجسس أميركية بالتحليق على مقربة من أرخبيل "سبراتلي" ببحر الصين الجنوبي كاعتراض أميركي على عمليات البناء الكبيرة التي تقوم بها الصين في هذا الأرخبيل، حيث كشفت صور التقطتها أقمار صناعية أميركية قيام الصين ببناء جزر صناعية وصلت مساحتها خلال أقل من عام واحد إلى 810 هكتارات وأسست عليها مهبطا للطيران وعدة موانئ.
وكردة فعل على تحليق طائرة التجسس الأميركية نشرت صحيفة جلوبال تايمز الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني الحاكم مقالا افتتاحيا ذكرت فيه: "يجب على الصين الاستعداد بحذر لاحتمال نشوب صراع مع الولايات المتحدة إذا كان الخط الأساسي للولايات المتحدة هو ضرورة وقف الصين أنشطتها، فحينئذ سيكون نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين في بحر الصين الجنوبي أمرا حتميا. قوة الصراع ستكون أكثر مما يعتبره الناس احتكاكا".
بعد هذا المقال الافتتاحي بأربعة أيام صرح وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بأن: "الولايات المتحدة تحاول الحفاظ على النموذج الأمني الإقليمي المشترك الذي وفر الرخاء للجميع على مدى السنوات السبعين الماضية".
وقال بلهجة تحدٍّ للصين: "كنا نحلق فوق بحر الصين الجنوبي لسنوات وسنوات، وسنستمر بذلك، سنحلق ونتنقل وننفذ عمليات، وهذه ليست حقائق جديدة". ودعا إلى "إنهاء الأعمال التي تنفذها الصين وغيرها من الدول في البحر، وعدم إضفاء طابع عسكري على النزاع الإقليمي".
وتصدت له المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينج قائلة: "الصين لن تعترف بالاحتلال غير الشرعي. نحث الفلبين على وقف التصريحات المغلوطة كما نحث الولايات المتحدة وهي ليست طرفا في النزاع على بحر الصين الجنوبي، نحثها على اتخاذ موقف مسؤول والتعقل في كلماتها وأفعالها، وأن تتحلى بالمنطق والهدوء والتخلي عن الإدلاء بتصريحات استفزازية. هذا النوع من التصريحات لا يسهم في حل النزاع بشكل سلمي، لكنه سيضر أكثر في استقرار وسلام المنطقة".
الصين تحارب بشراسة للمحافظة على تحكمها بهذا الأرخبيل الذي يعد أهم موقع في بحر الصين الجنوبي. تعبر من خلاله ثلث الشحنات البحرية العالمية، ويحتوي على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، وبالإضافة إلى ذلك أنه مصب للأنهار الكبرى مثل نهر الأحمر ونهر اللؤلؤ ونهر تشاو فرايا.
في فبراير الماضي تناقلت وسائل الإعلام صورا تثبت أن الحكومة الصينية نشرت صواريخ أرض جو، والذي علق عليه وزير الخارجية الصيني بأنه يجدر التحدث عن المنارات التي بنتها الصين لضمان سلامة مرور السفن بدلا من تداول صور وتقارير من اختلاق وسائل الإعلام الغربية. آخر تطورات هذه المعركة هو اعتراض طائرتين صينيتين لطائرة أميركية فوق بحر الصين الجنوبي، وصفه البنتاجون بأنه اعتراض خطير وغير آمن قامت به طائرات حربية صينية في المجال الدولي، والذي تصر الصين على أنه مجال تحت سيادتها الإقليمية، مهددة بعدم السماح لأي دخول غير مصرح.
النزاع بين تايوان والصين وفيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي المجاورة لبحر الصين الجنوبي حول ملكية جزر هذا الأرخبيل قائم منذ عدة قرون، ولكن ازداد توترا وخطورة بعد قيام دولة الصين بتعزيز وجودها العسكري في هذه المنطقة، ببناء جزر ونشر الدوريات البحرية وسط اعتراض أميركي شرس، باعتباره معبرا دوليا إلا أنه يقابله تحد صيني أكثر شراسة بأنه إقليم صيني بحت تحت سيادة دولة الصين، ولا تسمح باختراقه بأي شكل من الأشكال.
يخشى الكثير من المحللين السياسيين والمتابعين لمعركة الصين وأميركا على قضية بحر الصين الجنوبي أن تتحول هذه المنطقة إلى بؤرة صراع أو حرب لها تداعيات دولية لما تشكله هذه المنطقة من أهمية اقتصادية، وبالخصوص أن هذه المعركة الباردة وصلت إلى منطقة الحسم، إما أن تفرض أميركا سيادتها الدولية على هذه المنطقة وتجعل الصين تتراجع، أو أن الصين ستجعلها نقطة فاصلة في تاريخ سيادة الولايات المتحدة على مجريات العالم، وأنه حان الوقت الذي تعلن فيه الأوضاع السياسية الدولية، وبالخصوص في بحر الصين الجنوبي، بأن زمن انفراد أميركا بالقوة العالمية وتحكمها في مجريات العالم السياسية قد ذهب بلا رجعة، وأصبح من التاريخ.
نقلا عن / الوطن
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة