سيدلي البريطانيون اليوم بأصواتهم في استفتاء تاريخي حول خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي من عدمه
سيدلي البريطانيون اليوم بأصواتهم في استفتاء تاريخي حول خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي من عدمه، لكن مهما كانت نتيجة الاستفتاء، حتى ومن دون انتظار النتائج الأولية، فإن يوم غد (الجمعة) سيكون مختلفاً بل مفصلياً في حياة البريطانيين والأوروبيين، على حد سواء، لماذا؟
بعيداً عن منصات النواح والبكائيات التي رافقت الاستفتاء، وسواء جاءت النتائج لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه، فإن مجرد إجراء الاستفتاء فتح الصندوق الأسود لمشروع الوحدة الأوروبية، إذ على الرغم من كل ما قيل عن وجود خطط أوروبية للتعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد في حال حدث، لا يوجد في الواقع ما يشي بإمكانية احتواء هذه الخطوة على الفور، فهناك في بروكسل ستعقد الاجتماعات بالتأكيد للحد من الأضرار والحيلولة دون وقوع اضطرابات لدى البنوك وأسواق المال نتيجة خروج خمس الاقتصاد الأوروبي، كما ستعقد القمم لدراسة الآثار الناجمة سياسياً عن خسارة الاتحاد لجزء كبير من نفوذه العسكري والعالمي، في حين سيتم التمهيد لبدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد على مدار سنتين وفق المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي.
أما على الجانب الآخر، فربما يجد البريطانيون المنشغلون بعصبياتهم القومية إلى حد الهوس، كما هو حال قاتل النائبة العمالية جو كوكس، متنفساً للتعبير عن مشاعرهم المتناقضة ما بين التخلص من عبء الاتحاد الأوروبي وضرائبه وقوانينه، وما بين عودة الحياة للنزعات الاستقلالية والقوى التي تتبناها والتي ستجد ما يبرر عودتها للمطالبة بإجراء استفتاءات مماثلة كما هو حال إسكتلندا وحتى أيرلندا الشمالية وويلز، في ظل انقسام عميق في حزب المحافظين، وغموض هائل حول السياسات التي سيتم انتهاجها داخلياً وخارجياً، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه «قفزة في الظلام» مع أن هناك الكثيرين، خصوصاً على المستوى الأوروبي، من يحمّل كاميرون مسؤولية إجراء الاستفتاء أصلا ويتهمه بالتهور.
وحتى لو جاءت نتائج الاستفتاء لصالح البقاء في الاتحاد، فإن مخاوف أوروبية أخرى ستظهر من نوع مسارعة قادة الاتحاد إلى تطبيق مجموعة الإصلاحات التي اقترحها كاميرون مؤخراً، والتي تمنح بريطانيا وضعاً خاصاً في جهود وقف الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي والحصول على امتيازات تجارية جديدة، كما أن هناك مخاوف من أن تقود بريطانيا حملة جديدة لتحرير أسواق الاتحاد والحد من قواعده التنظيمية.
وفي كل الأحوال، فقد تحولت بريطانيا إلى قدوة مشؤومة للأوروبيين، فإن خرجت سيكون عليها خوض مفاوضات صعبة ومواجهة مشاكلها الداخلية، وإن نجح نموذج دولتها خارج الاتحاد فهناك الكثير ممن ينتظرون أن تبدأ أحجار «الدومينو» بالانهيار، بعدما صار الاتحاد الأوروبي شماعة مواطنيها، بدءاً من التراجع الاقتصادي بفعل الأزمة المالية، وضرائب السياسات التقشفية، وحتى الصعود السياسي لأحزاب اليمين المتطرف المعادية للمشروع الأوروبي، وبالتالي فإن الوحدة الأوروبية ستدخل في دائرة الخطر.
نقلا عن صحيفة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة