"ظلم" الاقتصاد العالمي.. هل يسهم في ظهور "القومية الحديثة"؟
"كتلة واحدة".. هكذا كان الاتحاد الأوروبي حتى قررت بريطانيا الرحيل، فهل للاقتصاد العالمي دور في إحياء "القومية الحديثة"؟
"كتلة واحدة".. هكذا كان الاتحاد الأوروبي حتى قررت بريطانيا الرحيل عنه، لتلوح اسكتلندا باحتمالية خروجها من المملكة المتحدة، ثم يأتي فوز الحزب الشعبي المحافظ بأكثرية المقاعد في الانتخابات البرلمانية الإسبانية، فهل للاقتصاد العالمي دور في ميل الدول للانفراد بذاتها وإحياء "القومية الحديثة"؟
يستعرض الصحفي الأمريكي مايكل هيرش أسباب نجاح "القوميين" في تقلد مقاليد الأمور، موضحًا أن النظام الأمريكي بعد الحرب الباردة قد يكون انتصارًا للسلام والأمن، ولكنه مبني على أفكار اقتصادية غير قابلة للاستمرار.
يقول الكاتب إنه قد حان الوقت للاعتراف أن هناك أمرًا مشتركًا بين المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب والسياسي البريطاني بوريس جونسون أكثر من "شعرهم المضحك"، وأن الحركة التي عُرفت مسبقًا باسم التيار المحافظ تتخذ شكلًا جديدًا وهي القومية الكارهة للأجانب.
يرى الكاتب أن ترامب وجونسون استفادا من اتجاه في سياسات العالم لن يختفي قريبًا ألا وهو "القومية الحديثة"، وهو رفض شعبي لاذع للوضع الحالي الذي فرضه نخبة العالم على النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة، وهو الذي قرر الناخبون الأقل دخلًا أنه ظالم.
يشير الكاتب إلى أن أكثر الأمور المقلقة هي أن الولايات المتحدة وأوروبا تلحق بركب اتجاه ترسخ في بعض الدول الصناعية الكبرى، ففي روسيا يُعد الرئيس فلاديمير بوتين هو المبشر بهذه القومية العالمية الجديد، وهو شامت في الضعف المحتمل للاتحاد الأوروبي الذي شكلت وحدته وعقوباته تهديدًا له.
يؤكد الكاتب أن مجرد رحيل بريطانيا من "زواجها المستعصي بالاتحاد الأوروبي" لا يُبشر بحدوث الدمار، فحتى في بريطانيا يرى العديد من الناخبين وخاصة الشباب منافع وجود أوروبا موحدة ونظام تحالف دولي أكثر عمقًا من أي ما كان موجودًا من قبل.
ولكن يبدو أنه من المرجح أن الرحيل البريطاني يُمثل مجرد بداية في القصة الأوروبية، فهل ستتبعها هولندا؟ أو ربما فرنسا؟ أو الدول المحرومة من اليورو مثل إيطاليا وإسبانيا؟ يتساءل الكاتب في مقاله على مجلة "بوليتكو" الأمريكية.
يقول الكاتب إن الحقيقة التي لا مفر منها أن العديد من الأحزاب القومية الأوروبية التي كانت كامنة في غموض لعقود تتمتع الآن بشرعية حقيقية، مشيرًا إلى أن الاقتصاد العالمي يقف على المحك الآن، ولكن على المدى الطويل قد يتعرض السلام العالمي للتهديد أيضًا.
يشير الكاتب إلى أن الدافع الأساسي وراء الاتحاد الأوروبي كان منع حدوث حربًا أخرى، وبينما كانت تفاصيل معاهدة ماستريخت التي أنشأت منطقة اليورو جافة اقتصاديًّا، إلا أن النص الضمني غير المعلن كان دائمًا سياسيًّا، وهو أنه يجب على الأوروبيين التوحد إذا كان الشقاق المستمر سيجعلهم على حافة الهاوية.
يقول الكاتب إن النخبة يريدون الإيمان أن الأوضاع مختلفة، وأن الديمقراطية والتجارة العالمية أكثر ترسخًا ومؤسسية، وأن تهديد هرمجدون النووي يجعل التفكير في الحرب أمرًا مخيفًا.
ولكن ربما الأوضاع ليست مختلفة اختلافًا كاملًا، فإن ملوك أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى الذين كانوا غير الخاضعين للمساءلة حل محلهم نخبة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية الذين لا يخضعون بقوة للمساءلة، وليس هناك من يمتلك حلًّا جيدًا للضعف الكامن داخل الاتحاد الأوروبي.
يقول الكاتب إن الاتحاد الأوروبي ليس توحد عامل حقيقي ولا جنسيات منفصلة، وإنما شيء ما في المنتصف لا يبدو أنه يعمل بسلاسة.
في الولايات المتحدة، حوّل ترامب الحزب الجمهوري المحافظ رأسًا على عقب، محتجزًا قاعدة الحزب لنفسه بعد فشل قادته في إدراك أن الناخبين الغاضبين الذين غالبًا ما يكونوا من أصحاب البشرة البيضاء ومن كبار السن والذين تعاملوا معهم بأنهم أمر مفروغ منه، توقفوا عن اعتناق التجارة الحرة المتدرجة من الأغنياء للأقل ثراءً.
يقول الكاتب إن العولمة التي ظهرت بعد الحرب حققت أمرين رئيسيين؛ وهما أن التجارة المفتوحة جعلت الظروف أكثر مساواة بين الدول، ولكن على حساب إنشاء المزيد من عدم المساواة داخل الدول، وذلك بفضل فيضان الوظائف الصناعية التي أغرقت الدول الأرخص، سعيًا نحو "سعر صيني" أقل كما كان يُطلق عليه سابقًا.
يقول الكاتب إنه في ظل السياسة التجارية الأمريكية التي احتضنها كلا الحزبان الديمقراطي والجمهوري، حازت هذه الاتجاهات على التشجيع فقط، ولكن رُفض تأثيرهم الاقتصادي كمفاضلة ثانوية مقابل أسعار أرخص للمستهلك.
هذا هو قلب التمرد الحالي للناخبين الأقل دخلًا، الذين تحملوا وطأة العولمة في النظم الاقتصادية الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا.
على وجه الإجمال تؤدي التجارة العالمية إلى النمو، ولكن في الدول الأكثر ثراءً استولى النخبة والعاملين أصحاب الياقات البيضاء استيلاءً كبيرًا على هذا النمو، وغالبًا ما يأتي على حساب العاملين المصنعين لما يتم الاتجار فيه.
يقول الكاتب إن الأحزاب على مختلف أطيافهم رفضوا التعامل بصورة صريحة مع مشكلات عدم المساواة المختلفة داخل دولهم، لذلك فمن الطبيعي أن تعود القومية المستعدة منذ القدم بقوة.