طائرة بلا «قمرة قيادة».. مشروع مقاتلة «لم تحلق»

في خمسينيات القرن العشرين، سعى سلاح الجو الأمريكي لتجاوز حدود تصميم الطائرات المقاتلة التقليدية، فاتجه إلى استكشاف أفكار جريئة وإن كانت تبدو غريبة اليوم.
خلال تلك الحقبة، أطلقت الولايات المتحدة سلسلة من المقاتلات تحت اسم "سلسلة القرن" مثل إف-100 وإف-101 وإف-102 وإف-104، لكن الرقم إف-103 ظل غائباً بشكل لافت. ووراء هذا الغياب قصة مشروع طموح لطائرة اعتراضية فريدة لم تر النور مطلقا هي إكس إف103.
كان الهدف من إنتاج إكس إف 103 صنع طائرة اعتراضية خارقة، مصنوعة بالكامل من التيتانيوم، وقادرة على بلوغ سرعة ماخ 3، مع القدرة على الارتفاع إلى 60 ألف قدم.
وتميز تصميمها بأجنحة مثلثة مائلة بزاوية 55 درجة، وذراع دوار تسمح بتغيير زاوية الجناح في أثناء الطيران، بالإضافة إلى زعنفة سفلية قابلة للطي لتجنب الاصطدام بالأرض عند الإقلاع. لكن التحدي الأكبر كان في محاولة التخلي عن قمرة القيادة التقليدية!
قرر المهندسون استبدال قمرة القيادة الزجاجية بمنظار (بيريسكوب) لتقليل مقاومة الهواء وزيادة السرعة. وتم تزويد الطيار بنوافذ جانبية صغيرة للرؤية، وعدسة "فرينل" أمامية لرؤية المسار، على غرار الغواصات. فكرةٌ بدت منطقية في الخمسينيات، خاصة بعد نجاح تجربة مماثلة على طائرة F-84G عام 1955، لكنها حملت مخاطر كبيرة على الطيارين في معارك جوية حقيقية.
واجه المشروع عقبات تقنية هزت أساسياته، أبرزها فشل تطوير المحرك المخطط له (Wright J67)، الذي لم ينتقل من مرحلة التصميم إلى التصنيع. كما أن استخدام التيتانيوم -المعدن الثمين حينها- جعل التكاليف باهظة، في حين لم تكن التقنيات المتاحة قادرة على تشكيله بالدقة المطلوبة. وبحلول 1957، أُلغِي المشروع بعد إنفاق ملايين الدولارات، دون بناء نموذج طائر واحد.
فشلٌ ألهم نجاحات لاحقة
رغم إخفاقها، تركت إكس إف 103 إرثاً في تصميم الطائرات فائقة السرعة. فتجربة استخدام التيتانيوم ساعدت في تطوير طائرات مثل إس آر-71 بلاكبيرد، في حين أثبتت فكرة التحكم الآلي المتقدم -التي كانت جزءاً من تصميمها- أهميتها في مقاتلات الجيل التالي. اليوم، تذكرها كتب التاريخ كرمز لطموحات التكنولوجيا التي سبقت عصرها، وحكمة عن ضرورة مواءمة الابتكار مع الإمكانيات الواقعية.
aXA6IDMuMjIuMjE2LjMwIA==
جزيرة ام اند امز