رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، عبر عن أسفه بعد إدخال بريطانيا في الحرب، فهل يكفي الاعتذار؟
7 سنوات أمضاها السير جون تشيلكوت ليقدم نتائج لجنته المختصة بالتحقيق حول مشاركة بريطانيا في حرب العراق، وحتى الآن كان نتاج تقرير اللجنة هو إعراب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، عن أسفه بعد انتقاد التقرير إدخال بريطانيا في الحرب، فهل يكفي الاعتذار؟
تحت عنوان "الحرب في العراق لم تكن تخبطًا أو خطأً، وإنما كانت جريمة"، يصف الكاتب البريطاني "أوين جونز" بلير بأنه ملعون، وذلك في مقاله بصحيفة "الجارديان" البريطانية.
يقول جونز إن الذين شنوا الاحتجاجات ضد مصيبة العراق يجب عليهم الشعور بالتعاسة لفشلهم في منع مصيبة سلبت مئات الآلاف من الأرواح، ومن بينهم 179 جنديًا بريطانيًا، كما تسببت في إصابة ملايين من الناس ونزوحهم وإصابتهم بالصدمات.
ووصف جونز ما حدث في العراق بأنه مصيبة ولدت التطرف على نطاق كارثي، مؤمنًا أنه ينبغي أن يشجعنا تشيلكوت على أن نكون أكثر جراءة في تحدي السلطة، والشك في المزاعم الرسمية، والوقوف بحزم ضد أجندة عدوانية نسجتها وسائل الإعلام.
وأضاف جونز أن هناك دروسًا يجب تعلمها، مشجعًا على عدم ترك مؤيدي الحرب يفلتون بفعلتهم، فالدروس كانت واضحة قبل أن تبدأ القنابل في السقوط.
ورأى أن ما فعله تشيلكوت هو توضيح أن التأكيدات الصادرة من الحركة المناهضة للحرب لم تكن نظريات مؤامرة أو مزاعم يائسة وبعيدة المنال، مشيرًا إلى ما كشفه التحقيق بأن بلير قال للرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في يوليو 2002 "سأكون معك أيًا كان الأمر".
كما يستعرض جونز إحدى النقاط التي توصل إليها التحقيق، وهي أن حرب العراق لم تكن حرب "الملاذ الأخير"، وإنما كانت حرب اختيار انطلقت قبل استنفاد الخيارات السلمية لنزع السلاح.
ويشير جونز إلى وجود العديد من التحذيرات من الحرب، وقبل شهر من الغزو قال السيناتور الأمريكي، جاري هارت، إن الحرب سوف تزيد من خطر الإرهاب.
وكان من بين التحذيرات ما نشره موقع Dissident Voice المناهض للحرب قبل شهر من الصراع، عندما قال إن الهجوم الأمريكي والاحتلال اللاحق للعراق سوف يقدم إلهامًا جديدًا، وتعيينات جديدة لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى، بالإضافة إلى أنه سوف يحفز خطر الإرهاب المتزايد طويل المدى إما على الأراضي الأمريكية أو ضد المواطنين الأمريكيين في الخارج.
ثم يشير جونز إلى ما خلص إليه التحقيق بأنه تم تحذير بلير أن الغزو سوف يزيد من التهديد الإرهابي للقاعدة والجماعات الأخرى.
وقال جونز إن بلير زعم أن الآثار الرهيبة كانت واضحة فقط بعد فوات الأوان، مشيرًا إلى تحذير منظمة "كريستيان إيد" من ظهور الفوضى والمعاناة في العراق بعد فترة طويلة من انتهاء الهجمات العسكرية.
ورأى الكاتب البريطاني، في مقاله، أن منظمة المساعدات تلك امتلكت بصيرة أفضل بكثير من "الجنرال البارز" الذي قال في محادثة حضرها جونز إن 99% من الشعب العراقي سوف يقذف الزهور على الجنود الغزاة.
واستعرض ما قاله وزير الخارجية البريطاني الأسبق، روبن كوك، عند استقالته من منصب من مجلس الوزراء قبل الغزو، عندما أعلن احتمالية عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل بالمعنى المفهوم السائد للمصطلح، والآن أدان التحقيق المخابرات للإيمان بعكس ذلك، وفقًا لجونز.
كما هددت حملة نزع السلاح النووي باتخاذ إجراء قانوني ضد الحكومة في 2002 إذا دخلت الحرب دون قرارٍ ثانٍ من مجلس الأمن، بالإضافة إلى وصف العديد من المحامين وكوفي عنان الذي كان وقتها الأمين العام للأمم المتحدة، الغزو بأنه غير قانوني.
ويقول جونز إن مدى قانونية الحرب ربما لم تكن من بين اختصاصات تشيلكوت، ولكنه مع ذلك يتوصل التحقيق إلى أن الظروف التي من خلالها قررت حكومة بلير وجود أساس قانوني لإجراء عمل عسكري لم تكن مرضية، مؤكدًا أن الطعن في مدى قانونية هذه الحرب المفجعة يجب أن يكون الآن أمام محكمة.
كما أشار إلى أن بلير اعتمد على أدلة مشكوك فيها لإثبات صحة وجهة نظره، ولكنها أدلة عرف آخرون وقتها أنها مشكوك فيها.
ودعا جونز للثناء على تحقيق تشيلكوت لتقديمه الختم الرسمي للحقائق التي كنا نعرفها دائمًا، ولكنه يدعو للانتباه إلى أن هذا فقط ما فعله التحقيق، مشيرًا إلى أن الحقائق كانت موجودة قبل وقت طويل من فتح أبواب جهنم.
واعتبر أن وضوح ما سوف يحدث هو ما أنشأ أكبر حركة مناهضة للحرب في العالم، وهي الحركة التي تم الاستخفاف بها من جهات عديدة ليس أقلها الإعلام الذي دعم بقوة الاندفاع نحو خوض الحرب.
وحذر جونز من أن الرعب مستمر، مشيرًا إلى مقتل 250 عراقيًا في تفجيرات وقعت مؤخرًا، فيما يُعد تذكرة مدمرة للفوضى التي يجب أن يتحمل بلير مسؤوليتها، من وجهة نظره.
وأكد أن حرب العراق لم تكن تخبطًا ولا خطأ، ومهما قرر القانون فإنها كانت واحدة من أخطر جرائم عصرنا، مشيرًا إلى أن المسؤولين عنها سيظلون "ملعونين" للأبد.