تونس 2020.. اضطرابات بالحكومة وضربات للإخوان
حل 2020 على تونس بمزيد من الاضطرابات السياسية التي ضربت منظومة الحكم، حيث شهد 3 حكومات نالت منها اثنتان فقط ثقة البرلمان.
ومع اقتراب 2020 من إسدال ستاره على أيام حُبلى بأحداث مثقلة فاقمها فيروس كورونا، تستعرض "العين الإخبارية" ضمن سلسلة تقارير بعنوان "حصاد العام"، أبرزها عدم الاستقرار الحكومي داخل البلاد.
فقد اصطدمت رغبة حركة النهضة الإخوانية في التغلغل داخل مفاصل الدولة التونسية بتقلص وزنها البرلماني والسياسي، بعد فقدانها ثقة الشعب نتيجة فشل سياساتها على كافة الأصعدة.
هذا الفشل، دفع الحركة إلى البحث عن حلفاء في الحكم لتقصي الأطراف المعارضة لفكرها الإرهابي، سعيا منها للتمدد في كل دواليب السلطة في تونس.
ومثلت ضبابية المشهد السياسي وعدم الاستقرار في تونس، سمة عامة في 2020، وهو ما يأتي نتاجا لمناورات الإخوان للوصول للحكم، حتى مع تراجع وزنهم البرلماني.
وفشل حزب الإخوان، في بداية يناير/كانون الثاني 2020، في إقناع البرلمان التونسي بالتصويت لمنح الثقة لشخصّية اختارها لتشكيل الحكومة، بعد إهدار وقت طويل في المشاورات التي لم تأت بأي نتيجة.
وأُجهض مخطط النهضة للسيطرة على الحكم، وصوتت أغلبيّة ساحقة بـ131 صوت ضدّ حكومة الحبيب الجملي، فيما منح 71 آخرون من النواب المنتمين لها ولائتلاف الكرامة الإسلامي الثقة للحكومة.
ويعدّ عدم نيل حكومة الجملي المقترحة ثقة البرلمان التونسي، ضربة قوية لحركة النهضة الإخوانية، الذي فشل في التوصل لتحالفات تشكيل حكومة ائتلافية، بعد أن كان طرفا رئيسيا وحاسما في كل المحطات السياسية منذ 2011.
وكانت الأحزاب المدنية التقدمية التونسية، أطلقت حملة كشفت خلالها فشل الحركة الإخوانية في إدارة الحكم، كما كشفت هيئة مكافحة الفساد عن وجود أسماء داخل تشكيلة حكومة الجملي المقترحة ترتبط بها شبهات فساد.
هذه الأسباب كانت دافعا لأغلب النواب التونسيين لإسقاط الحكومة، رغم الوعود التي أطلقها الجملي بالانفتاح على جميع الأحزاب ومكونات المجتمع المدني وتأكيده اختيار" الفريق الحكومي على أساس الكفاءة والنزاهة ونظافة اليد".
الفخفاخ.. ضربة لإخوان تونس
فشل جديد يضاف إلى مسيرة الإخوان في تونس، عندما قرر الرئيس التونسي قيس "تكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة في أجل أقصاه شهر، بعد القيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية"، وفق الفصل 89 من الدستور التونسي.
وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2020، كلف قيس سعيّد وزير المالية التونسي الأسبق إلياس الفخفاخ بتشكيل حكومة جديدة.
هذا التكليف قبل به الإخوان على مضض توجسا من إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، تعمق أزمته وتزيد من ضعف وزنه البرلماني، فقبل التفاوض معه في مفاوضات تكوين حكومته رفقة أحزاب أخرى.
ولم يمض وقتا طويلا على تكليفه بمهمة تشكيل الحكومة، حتى بدأ الفخفاخ يتلقى ضغوطات رسمية من الإخوان، بحسب مراقبين، وذلك في مسعى للسيطرة على الوزارات السيادية.
وفي منتصف فبراير/شباط 2020، أعلن رئيس الوزراء التونسي المكلف إلياس الفخفاخ تشكيل حكومته، رغم انسحاب حركة النهضة منها وإعلانها عدم التصويت عليها في البرلمان، تاركا الباب مفتوحا أمام مزيد من المشاورات.
وضمت التشكيلة الجديدة 29 وزيرا وكاتبين للدولة، كانت تحصلت حركة النهضة على 6 حقائب وزارية، بينما حصل حزب التيار الديمقراطي على 3 حقائب وزارية، في حين حصل كل من حزبي تحيا تونس وحركة الشعب وكتلة الإصلاح الوطني بالتساوي على وزارتين، أما حزب نداء تونس فحصل على وزارة واحدة، وآلت بقية الوزارات إلى شخصيات مستقلة.
وقدم الفخفاخ تشكيلته متحدياً قرار النهضة التي أعلنت عن الانسحاب من المشاركة في الحكومة وعدم التصويت لها في البرلمان.
وأعلن في نفس الوقت، عزمه إجراء تعديل على تركيبة حكومته مستبعدا فيه وزراء حركة النهضة، والتي سرعان ما تخوفت من دخولها عزلة تامة، ومن ملاحقات قضائية قد تطال قياداتها، وعقدت اجتماعا طارئا للتفاعل إيجابيا مع التعديل الحكومي المقرر.
وفي أواخر فبراير/شباط، توجه رئيس الفخفاخ للبرلمان التونسي، وحصل على أغلبية كبيرة كاسرا شوكة النهضة.
ولم تدم رئاسة الفخفاخ للحكومة إلا 5 أشهر، إذ اعتبرت أصغر فترة قضاها رئيس وزراء في قيادة الجهاز التنفيذي منذ انتقال تونس إلى عهد ما بعد بن علي.
استقالة الفخفاخ.. ومرحلة المشيشي
وفي منتصف يوليو/تموز 2020، استبق رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ مخطط النهضة لسحب الثقة من حكومته في البرلمان لاستعادتها آلية تكليف شخصية بتكوين حكومة، واستقال من مهامه فاتحا المجال أمام رئيس الجمهورية قيس سعيد لاختيار من يحل محله.
استقالة الفخفاخ جاءت بعد توجيه لجنة برلمانية تهما له تعلقت بتضارب مصالح، والتي تعززت بعد أن صرح في منتصف يونيو/حزيران أنه يملك أسهما في إحدى الشركات العاملة مع الحكومة، وأنه بصدد التخلي عن حصصه فيها.
وفتحت الاستقالة الباب أمام الرئيس التونسي من جديد لقيادة المشهد السياسي، واختيار شخصية جديدة غير منتمية للنهضة وتكليفها بتكوين حكومة.
وأضحى قيس سعيد في موقع قوي بحكم أن له الكلمة الفصل في تحديد الشخصية التي ستقود الحكومة التونسية المقبلة، ليقع فقط بعد مرور 10 أيام من الآجال الدستورية، الاختيار على هشام المشيشي.
وعقد رئيس الدولة التونسية عقدا أخلاقيا مع المشيشي عند تكليفه بتشكيل الحكومة، لكن الأخير قبل العهدة والأمانة وبعد ذلك أعلن التمردّ وارتمى في أحضان الحركة الإخوانية، حسب ما جاء على لسان النائبة سامية عبو عن الكتلة الديمقراطية.
وفي أوائل سبتمبر/أيلول 2020، صوتت الكتل البرلمانية، على منح الثقة للحكومة هشام المشيشي بغالبية 134 صوتا و67 رافضا، وصفر متحفظ، من مجموع 217 نائبا.
وتمكن المشيشي من تحصيل الثقة البرلمانية لاعتبارات عديدة أهمها: تخوف الأحزاب من حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في حال حجبت الثقة عن حكومته، وكذلك وعد بإجراء تحوير وزاري يمكنّ حلفاء النهضة من الظفر بحقائب وزارية.
ولم يظفر المشيشي النعيم السياسي ولا الاستقرار الاجتماعي بعد انقلابه على الرئيس قيس سعيد وارتمائه في أحضان النهضة، ظنّا منه أنه بذلك يضمن بقاء حكومته، وسرعان ما ارتطمت أحلامه باحتجاجات آلاف التونسيين الذين سئموا وعودا قدّمها الإخوان منذ اعتلائهم الحكم.
وتعيش تونس خلال هذه الفترة احتجاجات واعتصامات في المنشآت الاقتصادية الحيوية بعدد من محافظات البلاد (قابس والقصرين وتطاوين وقفصة ) وهو أمر ينذر بنسف الحكومة وإمكانية اختفاء الحركة الإخوانية من المشهد السياسي، باعتباره أن ما قدمه خلال حملاته الانتخابية طيلة عشرات سنوات لم يكن الاّ مجردّ وعود زائفة لكسب أصوات الناخبين.
ويحشد محتجون في محافظات أخرى للالتحاق بركب الاحتجاجات على غرار محافظة القيروان التي نفذت إضرابا عاما يوم 3 ديسمبر.
وأمام هذا الكم الهائل من التحركات الاحتجاجية من أجل التنمية والتشغيل، لم تُبادر حكومة هشام المشيشي بفتح باب الحوار مع المعتصمين، بل اكتفى برسائل تسويف التي لم تزد أبناء الجهات المهمشّة إلا مواصلة نضالهم من أجل تحقيق مطالبهم.
ويبدو أن عمر حكومة المشيشي لن يدوم طويلا وقد ترحل قريبا لعجزها عن السيطرة على الاحتقان الاجتماعي الذي يتفاقم يوما بعد يوم.