20 عاماً والرفض مستمر.. لماذا تتجنب السويد "اليورو"؟
بعد عشرين عاماً على رفضها اعتماد اليورو، لا تزال السويد متمسكة بشدة بعملتها "الكرونة" لكن العملة الأوروبية حصلت مؤخراً على دعم بسبب ضعف الاقتصاد السويدي، بحسب ما أظهر استطلاع للرأي نُشر الخميس 14 سبتمبر/أيلول 2023.
وقد رفضت السويد في 14 سبتمبر/أيلول 2003 اقتراح اعتماد اليورو بغالبية 56% من الأصوات مقابل 42% من المؤيدين رغم الدعم من قسم كبير من أعضاء الحكومة التي كان يرأسها آنذاك اشتراكي-ديموقراطي وأرباب العمل ووسائل الإعلام.
ورغم مرور عقدين، لا يزال معارضو اليورو هم الأكثر عدداً نسبياً؛ حيث أبدى 47% معارضتهم و30% تأييدهم فيما لم يعط 13% أي رأي بحسب استطلاع أجراه معهد "إيبسوس" لصالح صحيفة "داغينز نيهيتر". لكن المعارضة تفككت في الأشهر الماضية بسبب انخفاض قيمة "الكرونة".
وقال المحلل لدى "ايبسوس" نيكلاس كاليبرينغ لوكالة "فرانس برس" إن "التضخم (أسعار المواد الغذائية والكهرباء وأسعار الوقود) الذي تسارع العام الماضي، بالإضافة الى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة الذي يؤثر على الموارد المالية للأسر، قد أعادا اليورو إلى صدارة النقاش السويدي".
وأضاف أن "انخفاض قيمة الكرونة السويدية وكون جزء من التضخم مصدره الخارج، ساهما في تغيير رأي الناخبين السويديين بشأن اليورو". وكانت "الكرونة" قد بلغت أدنى مستوى لها امام اليورو في نهاية أغسطس/آب.
وقد أُجري استطلاع "ايبسوس" لصالح الصحيفة السويدية على عينة من 1291 شخصا لهم حق التصويت بين 15 و27 أغسطس/آب.
وكان معدل التضخم في السويد قد انخفض بنسبة أكبر من المتوقع خلال شهر أغسطس/آب الماضي، مما يمثل أخباراً جيدة بالنسبة للبنك المركزي، الذي يستعد للكشف عن خطوته المقبلة في إطار جهود لمكافحة ارتفاع الأسعار.
وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أن بيانا صادرا من مكتب الإحصاء السويدي، أظهر أن الأسعار باستثناء الطاقة وتغيرات معدل الفائدة ارتفعت بنسبة 7.2% مقارنة بالعام الماضي. وجاءت هذه النسبة أقل من توقعات محللي بلومبرغ بارتفاع الأسعار بنسبة 7.4%. ويأتي ذلك قبل اجتماع البنك المركزي خلال سبتمبر/أيلول 2023.
وقال ماتياس بيرسون كبير الاقتصاديين في بنك سويدبنك ايه بي عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً) إن "التضخم يتحرك في الاتجاه الصحيح، ويتراجع بنسبة أسرع من المتوقع".
وأضاف "هذه الأنباء لا تغير أي شيء بالنسبة لاجتماع البنك المركزي المقبل، حيث من المتوقع أن يرفع معدل الفائدة بواقع 25 نقطة أساس".
- بـ25 نقطة أساس.. المركزي الأوروبي يرفع الفائدة إلى مستوى قياسي
- موجة إفلاس تهدد شركات أوروبا.. تأثير الفائدة المرتفعة يظهر
"ثغرات" تجنب السويد عملة اليورو
يعدّ اليورو عملة مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2002، ولكن 8 دول أعضاء لم تعتمده رسميا على أراضيها، هي الدانمارك وبلغاريا وكرواتيا وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا والسويد، إذ واصلت الاعتماد على عملاتها الوطنية.
وقالت مجلة "إلوردين مونديال elordenmundial" الإسبانية في تقرير لها نُشر في أغسطس/آب 2021، إن معاهدة الاتحاد الأوروبي لسنة 1993 تُلزم الدول الأعضاء باعتماد اليورو عملة رسمية، باستثناء الدانمارك التي تتمتّع ببند يمكّنها من إلغاء الاشتراك في الاتفاقيات الأوروبية لعدم تطبيق نقاط محدّدة.
وتمتّعت الدولة الاسكندنافية بحرية الاختيار بين اليورو وعملتها الخاصة، ففضلت الاحتفاظ بعملة التاج الدانماركي كما استغلت المملكة المتحدة البند ذاته عندما كانت جزءا من الاتحاد الأوروبي، واحتفظت بالجنيه الاسترليني.
أمّا بلغاريا وكرواتيا وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا والسويد فإنها لا تعدّ جزءا من منطقة اليورو لأنها أخفقت في تلبية بعض المتطلبات الاقتصادية والقانونية، التي تُعرف بمعايير التقارب الاقتصادي.
وقد انضمت العديد من دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي سنوات 2004 و2007 و2013، وكان اليورو العملة الرسمية للاتحاد منذ مدة طويلة، لكن هذه الدول لم تكن متناغمة اقتصاديا مع بقية دول الاتحاد.
وحسب المجلّة، فإن حالة السويد مختلفة عن دول أوروبا الشرقية فقد كانت عضوة بالفعل عندما دخل اليورو حيز التنفيذ (انضمت عام 1995)، لكنها لم تعتمده لأن مواطنيها لم يوافقوا على تغيير عملتهم الوطنية، وهو ما جعل الدولة الإسكندنافية تستغل بعض الثغرات في اللوائح الأوروبية حتى لا تُجبر على اعتماد اليورو.
تشترط معايير التقارب الاقتصادي للاتحاد الأوروبي ألا يعرّض دخول عضو جديد بقية الدول للخطر، أي إن على الدول الأعضاء التي لا تعتمد اليورو إبقاء معدلات التضخم وأسعار الفائدة طويلة الأجل والعجز العام دون الحد الأدنى الأوروبي.
وبعد استيفاء شروط الاقتصاد الكلي المذكورة، يتعين على الدولة تقديم عملتها إلى آلية سعر الصرف الأوروبية، وهي مرحلة تجريبية للتحقق من أنها لا تنخفض كثيرا مقابل اليورو.
هل يستمر الرفض وسط معاناة "الكرونة"؟
وعلى النقيض، قدّم حزب الليبراليين المشارك في الحكومة خطة لاعتماد اليورو عملة للسويد بدل الكرونة في موعد لا يتجاوز عام 2028. وكتب رئيس الحزب يوهان بيرشون مقالاً في صحيفة سفينسكا داغبلادت الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول 2023، قال فيه "كلما تأخرت السويد في اعتماد اليورو أصبحت أكثر فقراً".
ويصادف 14 سبتمبر/أيلول 2023 ذكرى مرور عقدين من الزمان على تصويت غالبية السويديين ضد اليورو. الأمر الذي اعتبره بيرشون "20 سنة ضائعة من الازدهار والنفوذ السويدي في أوروبا"، مشيراً إلى أن الآن هو الوقت المناسب للقيام بالشيء الصحيح.
وكتب بيرشون "كنت واحداً من أولئك الذين دافعوا عن تبني اليورو قبل 20 عاماً (..) كانت مخاطر البقاء خارج اليورو أكبر، وفي محطة تلو الأخرى، أثبت الوقت الآن أن التصويت بـ"نعم" كان صحيحاً".
ولفت بيرشون إلى ضعف الاهتمام بالعملة السويدية الضعيفة، ما أدى إلى تضرر صورة السويد والشركات السويدية. وأضاف "نحن نستورد التضخم، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الخام. ومن المكلف جداً قضاء عطلة خارج السويد حين يصل سعر صرف الكرون إلى مستويات منخفضة يومياً".
ويطالب الليبراليون ومعهم عدد من الخبراء، حسب بيرشون، بأن ترفع السويد عضويتها في الاتحاد الأوروبي من العضوية الأساسية إلى الممتازة عبر الانضمام إلى منطقة اليورو، الأمر الذي سيزيد تأمين الوظائف ويسهّل التجارة مع أهم الدول الصديقة في أوروبا، إضافة إلى تعزيز تأثير السويد في الاتحاد الأوروبي.
وأعلن بيرشون ما أسماه “خارطة طريق جديدة” لتتمكن السويد من اعتماد اليورو بحلول العام 2028. بالاستناد إلى الجدول الزمني للاتحاد النقدي الأوروبي الذي قدمه رئيس الوزراء يوران بيرشون قبل استفتاء عام 2003، دون الحاجة لإجراء استفتاء جديد على اليورو. واستشهد يوهان بيرشون بطلب السويد الانضمام إلى الناتو دون إجراء استفتاء شعبي، مشيراً إلى أن هناك دعماً شعبياً واسعاً لاعتماد اليورو حسب استطلاعات الرأي.
وتتضمن خارطة الطريق التي قدمها الليبراليون إطلاق تحقيق حكومي تُسلم نتائجه في ديسمبر/كانون الأول 2024، وتقديم اقتراح للبرلمان في ربيع 2025، على أن يصوت البرلمان خلال ربيع ذلك العام، ثم تدخل السويد آلية سعر الصرف الأوروبية وتطلب العضوية في خريف العام 2025، ليقرر الاتحاد الأوروبي بشأن دخول السويد إلى اليورو في خريف 2027. ويتم استخدام اليورو في السويد في 1 يناير/كانون الثاني 2028.