الرئيس التركي، وبدل أن يحاول حل مشاكل بلاده الداخلية ويواجه أزماته التي قد تدخل البلاد في أزمة مستديمة، فتح على نفسه جبهات خارجية.
وضعت الأنظمة الديمقراطية لصالح الشعوب وأوطانها، وكان من المفترض أن تحقق الانتخابات بكل أنواعها وتصنيفاتها مصلحة الأوطان، وتعكس حرية الشعوب في اختيار صلاح أممها.
لكن اليوم ومع بعض التجارب الحديثة، نتساءل: هل فعلا وصول الأنظمة التي تم التصويت عليها يعبر عن الإرادة الشعبية الحقيقية؟، وهل تمثل فعلا مصالح الأوطان؟
وقد طرحت هذه التساؤلات بشدة خاصة بعد صعود الأنظمة ذات الميول اليمينية في أوروبا، وفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ما زال مثيرا للجدل.
لكن التساؤل الأكبر هو: ليس حول المنظومة الانتخابية في حد ذاتها، لكن مدى وعي الجماهير بقيمة ما يفعلونه عند الإدلاء بأصواتهم.
كذلك غياب الوعي الجماهيري بالتأثير العميق للسياسيين عبر الحملات الانتخابية، ووسائلها التي تتراوح بين التأثير الإعلامي المباشر، والصفقات الاقتصادية التي تعقد تحت الطاولات في الظلام لمصالح فئة بعينها ولا يرى منها الشعب غير الفتات، إن حصل.
والآن تمكن الخطر القديم-الجديد من العودة للتأثير في التغيرات السياسية، وهنا نتحدث عن التأثر بالأيديولوجيات، وهذا ما أسقط العديد من البلدان في الدمار، وجعل الشعوب تتقاتل في سوريا والعراق وليبيا والعديد من المناطق الأخرى بين الشرق الأوسط ودول أفريقية.
وحتما الوصول إلى الحكم يؤدي إلى الدمار، أو السقوط، وخير مثال على ذلك ما تشهده تركيا التي استغل رئيسها الحالي الدين للبقاء في السلطة والاستحواذ عليها.
تواصل سقوط قيمة الليرة سيؤدي حتما إلى انهيار الاقتصاد التركي، لكن مثل أردوغان لا ولن يعبأ بما قد يؤول له مصير شعبه، همه كرسي الرئاسة، وحلمه وهْم استعادة أمجاد العثمانيين مهما كان الثمن، والمؤشرات غير مطمئنة.
تركيا اليوم حتما تصير نحو طريق مسدود، دفع بها رئيسها الديكتاتور إليه، والسقوط واقع لا محالة.
وتحدثت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في عددها أمس، عما أسمته بـ"السقوط الحر" لليرة التركية. حيث هوت الليرة حسب الصحيفة لأقصى مستوياتها لتصبح أسوأ عملة من حيث الأداء في الأسواق العالمية لسنة ٢٠١٨.
عجز تركيا وصل إلى ٥،٥% من الدخل القومي أو من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي.
وتقدر وكالة تقييم الاستثمار "فيتش" أن الحاجة المالية لتركيا هذا العام ستبلغ حوالي ٢٣٠ مليار دولار. حسب موقع بي بي سي.
استدانة بالعملات الأجنبية، وهنا دخول مرحلة الخطر عند إعادة هذه الديون في حالة تواصل هبوط الليرة التركية.
وغلاء الأسعار زاد بمعدل سنوي يبلغ ١٥%.
وما يزيد الوضع خطورة هو تعنت أردوغان واعتراضه على رفع نسب الفوائد، والتي يرى الخبراء أنها الحل الوحيد أو بداية الحل لتخطي الأزمة.
كما أن الرئيس التركي، وبدل أن يحاول حل مشاكل بلاده الداخلية ويواجه أزماته التي قد تدخل البلاد في أزمة مستديمة، فتح على نفسه جبهات خارجية؛ أبرزها تأجيج الصراع وتصعيد السلوك تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، عبر تجميد أي أصول في تركيا لوزيري الداخلية والعدل الأمريكيين.
ومواصلة احتجاز القس الأمريكي الذي يخضع للإقامة الجبرية، والذي هدد ترامب أنقرة بمواجهة عقوبات اقتصادية كبيرة إذا لم تطلق سراحه، كما سبق أن لوح نائب الرئيس الأمريكي بتهديد مماثل.
وقد أوقف أردوغان القس الأمريكي الذي يعيش في مدينة أزمير غربي تركيا، ويقوم على رعاية كنيسة إنجيلية صغيرة، وهو أب لولدين ولدا في تركيا، قبض عليه أردوغان منذ أكثر من سنتين بتهمة الارتباط بحزب العمال وجماعة فتح الله كولن. وهما تنظيمان "إرهابيان" حسب تصنيف النظام التركي، لكن بأيديولوجيات متناقضة تماما، والسؤال هنا: كيف عمل القس الأمريكي لصالحهما معا؟.
ويستعمل الرئيس التركي الحالي القس الأمريكي آندرو برنسن ليضغط على الولايات الأمريكية المتحدة، لتسلمه فتح الله كولن الذي يعيش هناك ويمارس حياته السياسية.
تواصُل سقوط قيمة الليرة سيؤدي حتما إلى انهيار الاقتصاد التركي، لكن مثل أردوغان لا ولن يعبأ بما قد يؤول له مصير شعبه، همه كرسي الرئاسة، وحلمه وهم استعادة أمجاد العثمانيين مهما كان الثمن، والمؤشرات غير مطمئنة، والحل الوحيد بيد الشعب التركي لإيقاف ديكتاتور يقمع الحريات بكل أنواعها، ولا يسمح بوجود أي معارض على تراب تركيا التي لا يحكمها في ذهنه بل "يمتلكها"، وهي بشعبها حقه المشروع.
وفي هذه الحالة، وإذا ما أمعنا التفكير تؤدي المنظومة الديمقراطية و"حق" الانتخاب، إلى منظومة تطورت بفضل غياب الوعي وهيمنة الأيديولوجيات وخاصة الدينية منها.. إنه نظام العبودية الحديثة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة