الاشتباكات المميتة التي شهدتها جوبا خلال الأيام الماضية كانت أمراً مفاجئاً ومربكاً وغامضاً على الأقل بالنسبة للمراقبين السياسيين
الاشتباكات المميتة التي شهدتها عاصمة جنوب السودان خلال الأيام الماضية كانت أمراً مفاجئاً ومربكاً وغامضاً أيضاً، على الأقل بالنسبة للمراقبين السياسيين، لكن محاولات سبر غور الأحداث وتفكيكها لا تزال جارية على أكثر من صعيد، سواء أن كان ذلك من جانب الطرفين المتصارعين أو التحليلات المحايدة.
ويقول معسكر الرئيس سلفاكير ميارديت إن شرارة المعارك بدأت بشائعة على «الفيس بوك» أطلقها سكرتير زعيم المعارضة رياك مشار وقال فيها إنه بات رهن الاعتقال في القصر الرئاسي وإن دعوته للاجتماع مع الرئيس كانت مكيدة.
ويمضي التفسير الحكومي للقول إن ضابطاً في حرس مشار حاول حينها اقتحام القصر وأطلق الرصاص على أول جندي حاول إيقافه.
وقصة الشائعة قد تبدو تفسيراً مقبولاً وسط حالة التوتر التي كانت سائدة بعد أول اجتماع بين مشار ونائبه في جوبا.
ولكن كيف تمددت المعارك بعد ذلك في الأحياء السكنية وانتقلت بسرعة إلى معسكر المعارضة الرئيسي في جوبا والى مدن توريت وغيرها؟
ولماذا لم يوقف القادة العسكريون القتال بعد نداءات سلفاكير ومشار؟ لا أحد في معسكر الرئيس يقدم تفسيراً لذلك.
الشائعة الثانية في هذه الحرب الغامضة جاءت من سفير الحكومة في واشنطن وزعم فيها أن الجيش نجح في تصفية كبار جنرالات المعارضة وبينهم رئيس هيئة الأركان سايمون قاتويتش ونائبه.
ودفعت هذه الشائعة جنود الحركة الشعبية إلى الرقص فرحاً وإطلاق النار في الهواء في شوارع جوبا ليلة بدء سريان وقف إطلاق النار.
وقال المتحدث باسم مشار إن «جنود الحكومة المضللون والمعادون للسلام أهدروا رصاصهم بسبب كذبة عارية وأن جنرالات المعارضة أحياء وبأمان وسط جنودهم في جوبا».
ووجه معسكر مشار أصابع الاتهام إلى وزير الدفاع بول مالونق بإنشاء والإشراف على ميليشيا قبلية من أبناء الدينكا في غرب بحر الغزال التي ينتمي إليها ومقاطعة وراب مسقط رأس الرئيس سلفاكير وأنها كانت تقود القتال للقضاء على قوات المعارضة وترفض الالتزام بأوامر وقف النار.
وكل هذه التصريحات والتصريحات المضادة قد لا تكون كافية لتفسير الاقتتال الذي شهده جنوب السودان الذي يعيش الذكرى الخامسة لاستقلاله والتي جرت بينما كان قادته يعقدون اجتماعات لبحث إقرار السلام.
لقد خلفت المعارك في جوبا وحدها أكثر من 280 قتيلاً وشردت آلاف الأشخاص. وجرت وقائعها وسط الأحياء السكنية مثلما في القواعد العسكرية لطرفي القتال وطالت حتى مخيمات الأمم المتحدة للنازحين.
لقد استحق جنوب السودان لقب أخطر دولة في العالم.
*نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة