جريمة دالاس في سياق الانتقال الاجتماعي من العنصرية إلى التسامح عندما لا تكفي القوانين لإحداث تغيير في النفوس، أي في السلوك الاجتماعي
مقتل خمسة من الشرطة البيض في دالاس برصاص قناص أسود خدم جندياً في أفغانستان، كان رد الفعل الأميركي عليه مختلفاً عنه تجاه جرائم حملت شعاراً إسلامياً، من 11 سبتمبر حتى أورلاندو. الفرق واضح، فجريمة دالاس في سياق الانتقال الاجتماعي من العنصرية إلى التسامح عندما لا تكفي القوانين لإحداث تغيير في النفوس، أي في السلوك الاجتماعي، فذلك يحتاج إلى وقت وجهد وتضامن.
وليست في محلها الشماتة في مواقع التواصل العربية، لأن مرتكب الجريمة ميخا كزافييه جونسون لا تعنيه أزمات العرب التي ينسبها البعض إلى سياسات واشنطن، متنصلين من المسؤولية ومحرضين بما يصل إلى الشعار غير الإنساني «الموت لأميركا». ثمة إجماع لدى الأميركيين على إدانة جرائم الإرهاب المرتكبة في بلادهم باسم الإسلام، خصوصاً أنها عمياء تطاول بشراً وممتلكات، فكأنها تحكم بالإعدام على شعب بأكمله.
الرد على الصفعة بركلة وعلى الاعتقال بالقتل وعلى جريمة واحدة بجرائم مركّبة.
هكذا الأميركيون السود لا يكتفون بالتظاهرات والتأكيد على سلميتها.
ويبدو أن صعودهم في الجيش الأميركي إلى مراتب قيادية عليا في عهد جورج بوش الأب، وتصعيدهم في الإدارة إلى منصب وزير الخارجية في عهد جورج بوش الابن، وصولاً إلى الرئاسة ممثلة بباراك أوباما، جعل الأنا السوداء تتعاظم وتضيق بالتهميش المعهود، وكثيراً ما تفقد الصبر في الطريق الطويل إلى التسامح.
متطرفو السود في الولايات المتحدة، يمارسون ما يشبه عنصرية مضادة، فكلما نالت فئة محرومة حقاً من حقوقها يعلو سقف توقعاتها حتى يصعب إرضاؤها في سياق الضوابط الاجتماعية وحكم القانون.
لكن النظام الأميركي أقوى مما يظن أعداؤه الخارجيون والمشكّكون في الداخل.
وفي حين رأى أوباما في تأبين الشرطيين الخمسة أن أميركا ليست مقسمة كما قد يبدو على أساس العرق أو السياسة، كتب الناشط في «حركة الشاي» جو وولش تغريدة حُذفت في وقت لاحق وجاء فيها: «إنها الحرب الآن. احترس من أوباما. احترس من السود الأشرار. أميركا الحقيقية آتية».
وبقدر ما المشكلة موجودة فإن معالجتها موجودة أيضاً في الإدارة والثقافة والإعلام.
وتكفي جهود هوليوود مثالاً على سعي أميركا لتنقية صورتها أمام نفسها والعالم، وذلك عبر أفلام ذات قيمة فنية ممتازة تصور معاناة السود على طريق المساواة كبطولة وطنية مجمع عليها.
المشكلة اجتماعية، وهي أقل خطورة من مشكلة عصابات المخدرات في البيئات ذات الأصل اللاتيني التي ترتبط بعصابات مثيلة في أميركا الوسطى.
مشكلة اجتماعية لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة، فالسود موزّعون وليست لهم غلبة طاغية في ولاية محددة، وهم موجودون في أحياء شبه خاصة بهم في معظم المدن، مثلما هي حال أميركيين من أصول صينية وإيطالية ويونانية.
وابتداءً من أمس يرعى الرئيس في البيت الأبيض اجتماعاً للبحث عن حلول لمشكلات الخوف وانعدام الثقة لدى فئات عدة في المجتمع الأميركي، وينتمي المجتمعون إلى قوات الأمن ومؤسسات الحقوق المدنية والتعليم الجامعي وبرلمانات الولايات، لكن الهدف الأبرز والأقرب منالاً هو حل مشكلة الثقة بالشرطة، كونها تمثل الحضور المباشر للقانون في حياة المواطنين، فالشرطي هو من يلجأ إليه المظلوم أو المعتدى عليه أو حتى ذلك الضائع في أزقة المدن الكبرى وأطراف البلدات الصغيرة، والشرطي هو أيضاً من يهابه مخالفو القانون ومن يخافه المجرمون فيمتنعون عن الجريمة. من هنا البداية، أي من جريمة دالاس وما سبقها، حتى تلك المنسوبة إلى الشرطة.
وللنظام الأميركي قدرة على تحمل ما هو أكبر من أحداث دالاس. من يذكر انقطاع الكهرباء في نيويورك وأحداث لوس انجليس الكبرى وتظاهرات السود المليونية في واشنطن العاصمة، فضلاً عن 11 سبتمبر المفاجئة؟
أميركا تتحمل، لكنها مدعوة اليوم الى بعض التغيير، خصوصاً في قوانين تطلق ملكية السلاح الفردي، لكي تضبط حريات تميّزت بها وتؤهلها لتكون نموذجاً، في مواجهة انهيار عالمنا لمصلحة ديكتاتوريات مقدسة أو رحيمة. ولا يتعارض مع الحرية استدعاء قول كونفوشيوس: إذا لم تعاقب المذنب فأنت تعاقب البريء.
*نقلا عن جريدة "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة