5 حكايات عن انتشار ظاهرة "بيوت غير المتزوجات" في لبنان
باتت استقلالية المرأة عن ذويها ظاهرة جديدة تجتاح المجتمع اللبناني بعد أن كانت محصورة بحالات استثنائية معينة، أو في مناطق محدودة.
" بدي عيش.. تركوني عيش حياتي".. مطلع أغنية للفنانة هيفاء وهبي تعبر عن شريحة كبيرة من الفتيات والنسوة، أو بمعنى آخر تعبر عما يختلج في صدورهن من صمت واختناق يعتم الرؤية أمامهن من جراء ما يحيط بهن من مشاكل وعراقيل، أو فاض بهن الكيل من تدخل أناس في كل تفاصيل حياتهن.
ورفعت الكثيرات من بنات الجنس الناعم في لبنان شعار "كي يحلو العيش لا بد من الاستقلالية والعزلة التامة". وتتمثل الاستقلالية هنا في انعزال الفتاة في منزل خاص بها، إما عن طريق استئجاره أو شراء غرفة صغيرة تأويها حسب الإمكانات المادية المتوافرة لديها.
وباتت استقلالية الفتاة أو المرأة عن ذويها ظاهرة جديدة تجتاح المجتمع اللبناني بعد أن كانت محصورة بحالات استثنائية معينة، أو في مناطق معينة دون الأخرى.
وإذا كانت المطلقات غالبًا ما تملن نحو هذا الخيار بسبب عدم رغبتهن بالعودة إلى منازل ذويهن، والاعتياد على الاستقلالية عنهم، فإن بعض الفتيات تميل إلى هذه الفكرة لأسباب غير واضحة.
ولا توجد أي مادة في القانون اللبناني تتعلق بالمرأة التي تقطن لوحدها، بحسب المحامية أميرة جعنا، إلا إذا كانت دون الـ18 عامًا، فحينها يحق للأب أن يتقدم بشكوى أمام المخفر ويستدعيها للحضور إلى المنزل.
"بوابة العين" التقت بعض هؤلاء اللبنانيات للوقوف على وضع كل منهن والظروف التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار .
رابعة الزوجات
سميرة (48 عامًا) نموذج لامرأة مطلقة تعيش وحيدة وبعيدة عن كل ما من شأنه أن يزعجها ويزيد معاناتها. وتقول: "تزوجت منذ فترة طويلة من رجل يكبرني بـ30 عامًا، فكنت الزوجة الرابعة له، وتحملت قدر الإمكان قسوة ومرارة الحياة معه كي لا أعود إلى منزل أهلي الذين يرفضون فكرة أن تكون ابنتهم مطلقة، فقررت أن أتحرر بعد أن تمكنت من إيجاد فرصة عمل في مؤسسة خيرية، فكان العمل الوسيلة الوحيدة لإنعاش حياتي وتغيير نمطها، واستأجرت شقة صغيرة أعيش فيها بمفردي منذ 3 أعوام".
وعما إذا كانت ترغب بالعودة الى منزل أهلها في يوم من الأيام حيث يعيش والداها وحيدين، تقول: "لا أفكر بالعودة أبدًا، خاصة أن أهلي طلبوا مني ألا أنزع خاتم الزواج من يدي حين أزورهم، فهم يفضلون أن أبقى وحيدة في المنزل الذي استأجرته كي لا تلوك ألسنة الجيران القصص والحكايات عنهم".
وتضيف: "منذ فترة طلبت من والدتي أن أقضي وقتي بين منزلهم والمكان الذي أقطن فيه، لكنها اشترطت علي المساهمة بالإنفاق في المنزل؛ لأني سأتناول الطعام عندهم خلال فترة وجودي هناك، فضاقت الدنيا في وجهي، لذلك أفضل ألف مرة العيش بمفردي كي لا يتحكم بي أحد، فأستيقظ ساعة أشاء وأفعل ما يحلو لي".
ولكن سميرة تواجه مشكلة مع الناس، وتحديدًا مع الجيران، حيث اتهمتها جارتها بوجود علاقة حب بينها وبين زوجها، فراحت تراقبها وتراقب تحركات زوجها، علها ترصد أية إشارة تؤكد شكوكها، لكنها فشلت لعدم صحة شكوكها.
كلام الناس لا يهم
أما "ردينة" فتعتزم ترك منزل أهلها بعد أن استقلت ماديًّا، وباتت قادرة على تأمين مستلزماتها، علمًا أن والدتها تعيش وحيدة بعد وفاة والدها. وتقول ردينة: "أعمل منذ أربع سنوات في أحد المتاجر الكبرى، ويقع في بيئة متحررة تعيش فيها الفتيات بتحرر، بما يختلف عن البيئة التي أعيش فيها، حيث أخضع للاستجواب في كل خطوة أقوم بها، علمًا أنني لم أرتكب أي خطأ يغضب الله".
وتضيف: "بعد وفاة والدي بثمانية أشهر تمكنت من استئجار غرفة صغيرة قريبة لمكان عملي، وكسرت كل القيود التي تتحكم بي، مع العلم أنني من المتحررات المحافظات، ولم أقدم على هذه الخطوة لأسباب مرتبطة بأمور سلبية كما قد يحلو للبعض أن يظن".
ولا تأبه ردينة لنظرات المجتمع إليها؛ لأنها تعتبر نفسها تسير في الطريق الصحيح دون أدنى تدنيس لسمعتها.
أما هند فتشعر بأن من الصعب عليها العودة إلى منزل أهلها بعد انفصالها عن زوجها وهي أم لولدين، وتقول: "أفضل العيش بمنزل مستقل كي أتمكن من استقبال أولادي خلال زيارتهم لي، دون أن يزعجني أحد من أهلي، فوالدي مريض وكبير في السن، وغير مستعد لتحمل مشاغبات الأطفال".
وتضيف: "والدتي تعيش وحيدة مع والدي المريض، وأزورهما بين الحين والآخر، لكنني لا أفكر بالعيش معهم بالرغم من المشاكل التي أواجهها مع جاراتي ونظراتهن المشككة بي حول إمكانية خيانتهن مع أزواجهن".
أفعل ما أريد
تختلف ظروف "نهى" عن غيرها، فهي من السيدات اللاتي قد يكون لهن أسباب مبررة للجوئهن إلى الاستقلالية، فقد انتقلت منذ عامين للعيش بمفردها بعد وفاة والدتها، بعد أن اضطرت على أثرها للعيش مع شقيقها وزوجته، وبعد أن شعرت بأنها قد تكون سببًا في إعاقة تحركهما، قررت العيش في منزل، وحيدة بعد أن تكفل شقيقها بدفع إيجار المنزل، وها هي اليوم تشعر براحة نفسية لا توصف، حيث تفعل كل ما تشاء بتحرر دون أن تشكل حجر عثرة في طريق أحد، لا سيما زوجة شقيقها.
هربت من أهلها
أما "سهام" فقد هربت من منزل أهلها الذين يسعون إلى تجريدها من راتبها الشهري، الذي تتقاضاه من خلال عملها كمدرسة في أحد المعاهد. وتقول: "والدي يعتمد علي في تأمين مستلزمات المنزل، وكذلك شقيقي المتزوج ولديه أربعة أولاد، فقررت ترك المنزل، علمًا أنني لاقيت معارضة كبيرة من قبل أهلي الذين يعيشون في القرية والذين تحكمهم العادات، لكنني لم أكترث ولم أتردد في انتقالي على الفور إلى المدينة".
معارضة
ورغم تزايد هذه الظاهرة في المجتمع اللبناني، إلا أنها تواجه اعتراضات وانتقادات من قبل شريحة كبيرة من اللبنانيين، الذين يعتبرونها تتناقض مع المجتمع الشرقي، ويعتبرها البعض انسلاخا للفتاة عن بيئتها وعائلتها، بشكل يدينه المجتمع ويتناقض مع التعاليم الدينية، التي تدعو إلى صلة الأرحام والمودة مع الأهل وبر الوالدين، خاصة في كبرهم.